ويقول ما ترجمته :
للعقلاء مثل اليوم المعلوم
تعاقب ليل ونهار الغافلين شؤم
الدنيا مركب النوائب وساحة العجائب ، وهى صهباء النعم وآلاؤها سراب وغرور وليس لشرابها سرور ، وثناؤها وإطراؤها كله جفاء وشرور ، باطنها مملوء بالأحزان والهموم وصفاؤها لا يكون بغير كدر ، بحيث إن كل إنسان يفتح أمره بخير لا يختم خاتمته إلا بشر ، لا يعتمد عليها فى حال ولا يستند إليها فى أفعال ، شيمها اصطفاء اللئام والتحامل على الكرام وهمتها رفع خامل وضيع والإقلال من فاضل رفيع ، وتوقع رعايتها والطمع فى العناية منها كتوقع الهداية من الغول والطمع فى الإرشاد من الشيطان ، فجميع الخلق فى أحلام الغفلة وظلام الجهالة يندفعون فى نشوة السكر وخمار الخمر منهم فاقدو الوعى فوق أشهب النهار ، وأدهم الليل مستحثين إياهما بالمقرعة والسوط وقد ربطوا وجودهم بالفناء انطلاقا إلى ميعاد الرحيل بلا تمهل ، بحيث يثبت يقينا أن أعداد العمر وإن تجاوزت الآحاد إلى الألف فهى ليست سوى لحظة ، بحيث إن مسؤولية البقاء قد خطت لملائكة السماء ، والتعيس هو الذى يرجح الدنيا الفانية الفائتة على الآخرة الباقية الثابتة ، التى دوام عزها بلا انفصام وعلاء فخرها بلا انفصال ، وفى سبيل تحصيل لقمة التى أولها وآخرها عشب وزر ، وهم مثل الكلاب يجعل الكتف هدفا للمهام والرقبة قرينة الطوق وسلسلة حكم الأمير والوزير ، مع أن هذه اللقمة تحتوى فى داخلها ألف عظمة تقف فى الحلق وبغير كل هذا الصداع فإن الرغيفين ميسران ، وإقبال هذه الدنيا كزيارة ضيف وسحابة صيف" فلا عهده عهد ولا وده ود"
وظللت فى النوم حتى آخر العمر
والآن استيقظت حيث لم يكن هناك وقت .
وبعد أن جاء الملك والجاه ، لم تبق أنت حتى وإن صرت فى طلبه كالإسكندر فى الظلمات ، أو اتخذت من النار فراشا كطائر السمندر ، ويصبح الأحبة أفاع والودود دخانا والأقارب عقارب ويصبح الأحباب مثل الكلاب العاوية والذئاب المتربصة ألسنتهم حداد وأنيابهم ناهشة.
يذم إخوانا كان يمسيهم كراما
فلما خالطهم برىء حقيقتهم .
صفحه ۲۱