وكان ملكه ستين سنة. فورث الملك من بعده إبن أخته عمرو ابن عدي. فصار الملك من بعد جذيمة إلى ابن أخته عمرو بن عدي وأمه رقاش بنت مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان، وهو أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب، وأول ملك يعده الحيريون في كتبهم من ملوك عرب العراق، وملوك العراق إليه ينسبون وهم آل نصر. فبقي عمرو ملكا مدة عمره، فمات وهو إبن خمسين وماية سنة. وكان في سلطانه منفردا بملكه مستبدا بأمره، يغزو المغازي ويصيب الغنائم وتجبى إليه الأموال وتفد عليه الوفود دهره الأطول، لا يدين لملوك الطوائف بالعراق حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس أرض العراق. فالفى أردشير على الاردوانيين وهم نبط العراق ملكا يقال له أردوان وعلى الارمانيين، وهم نبط الشام ملكا يقال له بابا وكل واحد منهما يقاتل الآخر على ملكه، فعندها تساندا على قتال أردشير يوما هذا ويوما هذا فإذا كان يوم بابا لم يعر به أردشير وإذا كان يوم اردوان لم يف بأردشير. فعندها أردشير رأى مصالحة بابا على أن يكف عنه ويدعه وأردوان وتخلى أردشير لبابا مملكته يتصرف بها، فتفرغ أردشير لحرب اردوان فما لبث أن قتله وإستولى على ما كان تحت يده من أرض ومال ورجال. فعندها حمل بابا إليه الاتاوة وأسمع له وأطاع، فضبط أردشير العراق وقهر من كان له بها مناوئا حتى حملهم على ما أراد مما يوافقهم ولم يوافقهم، فكره كثير من تنوخ مجاورة العراق على الصغار، فخرج من كان منهم من قبائل قضاعة الذين كانوا أقبلوا مع مالك وعمرو إبني مالك بن رمين وغيرهم فلحقوا بالشام وانضموا إلى من هناك من قضاعة. فكان أناس من العرب يحدثون أحداثا في قومهم أو تضيق المعيشة، فيخرجون إلى ريف العراق وينزلون الحيرة، فكان ذلك على أكثرهم هجنة فصار أهل الحيرة ثلاثة أثلات منها: الأول تنوخ وهم من كان سكن المظال وبيوت الشعر والوبر في غربي الفرات، ما بين الحيرة إلى الأنبار فما فوقها، والثلث الثاني العباد وهم الذين سكنوا رقعة الحيرة فابتنوا بها. والثلث الثالث الاحلاف، وهم الذين لحقوا بأهل الحيرة.
ثم لم يكن من تنوخ الوبر ولا من العباد الذين دانوا لأردشير فكانت الحيرة والأنبار بنيتا في زمان تولية بخت نصر العراق. فخربت الحيرة لتحول أهلها عنها عند هلاك بخت نصر إلى الأنبار، وعمرت الأنبار خمس ماية وخمسين سنة إلى أن بدأت الحيرة في العمارة في أيام ملك عمرو بن عدي باتخاذه منزلا. فعمرت الحيرة خمسماية وبضعا وثلاثين سنة إلى أن وضعت الكوفة، ونزلها عرب الإسلام، وكان جميع ما يملكه عمرو بن عدي ماية وثمان عشرة سنة.
وهذا التاريخ موافق لما في كتاب المحبر؛ ومخالف لما في كتاب المعارف من ذلك من زمن ملوك الطوائف خمس وتسعون سنة، وفي زمن ملوك فارس ثلاث وعشرون سنة، منها في أيام أردشير بن بابك أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، وفي أيام شابور بن أردشير ثماني سنين وشهران.
امرؤ القيس بن عمرو بن عدي:
صفحه ۷۷