وفي عام 628ه، لما أراد سليمان شاه المحكي عنه مغادرة تلك الأصقاع قاصدا عربستان مر بجماعته على نهر الفرات، وبينما كان يعبره مات فيه غريقا، ودفن عنده في مكان يعرف إلى الآن بمزار الأتراك، وترك أربعة أولاد؛ هم: سنقورتكين، وكون طوغدي، وأرطغرل، ودوندر، فرجع سنقورتكين وكون طوغدي إلى ناحية الشرق، وبقي أرطغرل ودوندر عند السلطان علاء الدين، وحضرا معه جملة حروب، فأظهر فيها أرطغرل البسالة والإقدام، ثم وقعت حرب شديدة بين السلطان علاء الدين على أعدائه، فشتت شملهم، وأباد أثرهم، فكافأه علاء الدين بأن أعطاه بلاد سكود واسكي شهر.
عاش أرطغرل 90 عاما، وتوفي عام 680، ودفن بمدينة سكود تاركا ثلاثة أولاد؛ وهم: عثمان بك، وساوجي بك، وكندوز بك، وقد تقلد منهم قيادة الجيش عثمان بك بالنظر لشجاعته وبسالته، فأسس بناء الدولة والملك، ومن المحقق أن نسل آل عثمان الأثيل يتصل بيافث بن نوح، وهاك سلسلتهم الطاهرة:
السلطان عثمان بن أرطغرل، بن سليمان شاه، بن قيالب قزل بوغا، بن تيمور، بن قونلوغ، بن تفاد، بن قينون، بن سافور، بن بولغاي بن بايسنقور، بن توقتمور، بن باسوق، بن جندور، بن باقي، بن كوك ألب، بن أرغو، بن قره خان، بن قونلق، بن توترق، بن قره خان، بن بايسوق، بن بولواج، بن تغار، بن سونج، بن جاربوغا، بن قورتلمش، بن قره خان، بن عمود، بن سليمان شاه، بن قره خول، بن قولفاي، بن باتيمور، بن طوسي، بن بابلق، بن طورغا ، بن طوغمش، بن كوجك بك، بن أونوق، بن قوتاق، بن جك جكتمور، بن طورج، بن قزل، بن يماق، بن باشبوغا، بن قورتلمش، بن فورجه، بن بالجق، بن قوماي، بن قره أوغلال، بن سليمان شاه، بن قولو، بن بولغار، بن باتيمور، بن طورمش، بن كوكب ألب، بن أوغوز، بن قره خان، بن قاني خان، بن بولجاي، بن ماجيه، بن أبي الحارث، بن يافث، بن نوح.
وقد تولى من آل عثمان حتى الآن تخت السلطنة السنية خمسة وثلاثون سلطانا عظمت بهم شوكتها، وامتدت سطوتها، وعظم شأنها، وبذخ مقامها. وبما أن الوقوف على ترجمة حياتهم السعيدة من الأمور التي تكسبنا العز والفخار، وتمنحنا البهجة والوقار؛ لما أتوه من الفعال التي لا تذكر معها أعمال الأكاسرة، وانتصارات القياصرة، كيف أنهم فتحوا المدن العظيمة، ودمروا الحصون المنيعة، وقهروا الجبابرة، وامتلكوا معظم الدنيا برا وبحرا، وكيف كانت الدول الإفرنجية ترتعد من سطوتهم، وتقدم لهم الطاعة والخضوع، وتتزلف إليهم في سائر الأمور حتى إلى يومنا هذا، أردت أن أغبط نفسي وأسعدها بتدوين قليل، ودون القليل، من ترجمة كل طيب الذكر من السلاطين الفخام آل عثمان الكرام، خلد الله ذكرهم، وأعز شأنهم على الأنام طرا.
السلطان الأول
السلطان عثمان الغازي بن أرطغرل
ولد الطيب الذكر السلطان الأول، السلطان عثمان الغازي بن أرطغرل، عام 656 هجرية، وشب على البسالة والإقدام والشجاعة والكرم، ولما بلغ الحلم انتقل والده إلى جنة ربه، فخلفه في قيادة جيش عشيرته، ولبث مصافيا للسلطان علاء الدين، ويساعده في افتتاح جملة مدن منيعة، وعدة قلاع حصينة، فأتحفه مكافأة له بالطبل والعلم، وبسكة ضرب المعاملة، وأمر بأن تخطب صلاة الجمعة باسمه العزيز. وفي عام 699، زحف جيش جرار من جماعة التتر على سلطنة علاء الدين، وفزعوا عليه بالحرب العوان، وبعد أن ناهضهم طويلا ولم ينله الله الفوز عليهم؛ شق رعاياه عليه عصا الطاعة، وجاهروا بعدوانه، فاضطروا إلى المهاجرة لبلاد الروم، وهناك توفي، وحينئذ انقرضت الدولة السلجوقية، فقام الأهلون على قدم وساق، ونادوا باجتماع الكلمة باسم عثمان الغازي بن أرطغرل سلطانا عليهم، فجلس على مهد السلطنة عام 699 للهجرة، وتمركز في مدينة قره حصار، ودعاها بادشاه، ثم حصن مدينة يكي شهر وجعلها مركزا له، وأخذ يحكم بالقسط والعدل، وينصف المظلوم من الظالم، ويعطي لكل ذي حق حقه حتى رتع سكان سلطنته في بحبوحة الرغد والسعادة، وبعد أن نظم أحوال داخلية البلاد شرع في توسيع نطاق ملكه، فحاصر مدينة أذنك، وشاد أمامها قلعة حصينة دعاها «نزغان» باسم قائد الجيش.
وفي عام 707ه، داخل والي بروسه الخوف من طموح السلطان عثمان إلى بلاده، فأثار عليه سرا ولاة البلاد المجاورة ليقاوموه، ولكن لما اتصل به الخبر شن عليهم الغارة عاملا بهم السيف حتى مزق شملهم، وقتل صاحب قلعة كستل، وبعث بابنه أورخان خان يقود جيشا كثيفا إلى مدينة بورصه، وبعد أن حاصرها مدة دخلها عنوة، وأذن لأهلها أن ينصرفوا منها بدون أن يهرق منهم قطرة دم، وكان ذلك عام 726ه، ثم شرع في تنظيم أحكامها، وتحصين قلاعها.
وفي أثناء ذلك جاء رسول من قبل والده يستدعيه إليه، فأطاع وراح مسرعا، ولما أن دخل على أبيه ألفاه يتقلب على فراش الموت، فاغرورقت عيناه بالدموع وخاطبه بقوله: يا أعظم سلاطين البر والبحر، كم قهرت أبطالا، وافتتحت بلدانا! ما لي أراك في هذه الحالة؟ فأجابه والده: لا تجزع يا بني، هذا مصير الأولين والآخرين، وإنني الآن أموت فرحا مسرورا لكونك تخلفني وتقوم مقامي بإدارة هذا الملك السامي. ولم يتم كلامه حتى انتقلت روحه إلى جنة السعادة، ونقلت جثته إلى زاوية قلعة بروسه؛ حيث دفن بكل إكرام وإجلال. وكان ذلك عام 726ه، بعد أن عاش سبعين سنة قضى منها 27 عاما على تخت السلطنة.
وكان رحمه الله شجاعا باسلا، شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الخلق، أبي النفس، كريما يحب الإحسان لبني الإنسان، ومن وفرة كرمه لم يترك شيئا لخليفته سوى حلة مطرزة، وعمامة مضرجة، وبعض مناطق من القطن نسجت على هيئة بسيطة. رحمه الله وجعل الجنة مأواه.
صفحه نامشخص