بالمدينة المنصورية ليلة الجمعة بعد ما دانت له العباد والبلاد، فسبحان الدائم بلا زوال وكانت مدة ملكه اثنتان وخمسون سنة وتسلطن بعده ولده الملك المنصور أبو بكر يوم الخميس؛ ولم يقم في الملك إلا قليلا، ثم قتل، وكانت دولته ثمانية وخمسون يوما، ثم تسلطن أخوه الملك الأشرف صلاح الدين كجك أقامه قوصون في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، والأمير بهاء الدين اصلم في نيابة صفد، ثم توجه إلى دمشق لقتال طشتمر والفخري، بمرسوم قوصون، فوصل إلى قارا ثم رده الفخري إلى دمشق، وحلفوا جميعا للسلطان الملك الناصر أحمد صاحب الكرك، وجهزوا أصلم إلى مصر، وكانت سلطنة أحمد في نهار الخميس ثامن عشرين رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
ثم حضر للنيابة من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي الكبير، قبل صلاة الجمعة تاسع عشر القعدة سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ولم يدخل صفد مثل طلبه قط، كأنهم نار موقدة بأعلام كلها حمر، ولبس خيولا ورجالا، فسبحان الملك العظيم، ومتسفرة تكا الخضري، فأقام بصفد نحو سبعة وثلاثين يوما، ثم بلغه أنه سيمسك، فخرج بمماليكه في نهار الإثنين سادس عشرين الحجة، وهم دون المائة لابسين عدة الحرب، فركب العسكر الصفدي خلفه، فقال لهم: ارجعوا فلا ضرورة لكم باتباعنا، فتشاوروا وخافوا من الرجوع دركا، فرد عليهم جماعة يسيرة من غير علم الأحمدي فجرحوا جماعة منهم، وقتل الحاجب الصغير عمر البتخاحي، فهرب الباقون، ورجعوا عنه شر رجوع، فتوجه إلى دمشق على حمية، فلم يقف في وجهه أحد من عسكرها، فندم الصفديون وقالوا: يا ليتنا فعلنا كما فعلوا.
ثم حضر نائب غيبة الأمير علاء الدين مغلطاي المرتيني من دمشق المحروسة، فأقام ثمانية وأربعين يوما، وكانت دولة السلطان الملك الناصر أحمد تسعة وتسعون يوما، ثم هرب إلى الكرك.
صفحه ۱۳۵