ثم صعد المنبر، وخطب خطبتين، وحول رداءه، وحدث بحديث طويل خشع له الناس، وبكى، وانصرف خاشعا؛ فقبض ليلته يوم استسقائه، وهو ابن إثنين وثمانين سنة. ومن المنظوم المنسوب إليه: من كفاه من مساعيه ... رغيف يفتديه وله بيت يواريه ... وثوب يكتسيه فلماذا يبذل العر ... ض لذل وتسفيه ولماذا يتمادى ... عند ذي كبر وتيه
ذكر القاضي أبي عمر محمد بن يوسف
ومن القضاة بتلك البلاد المشرقية، أبو عمر محمد بن يوسف، حاجب القاضي إسماعيل المتقدم الذكر، وابن عمه. وفي أيام هذا القاضي قتل الحلاج. وابن عمه هو الذي أفتى بقتله، بعد تقريره على مذهبه، وقيام الشهادات عليه بإلحاد. فضرب ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم طرح جسده، وبه رمى من أعلى موضع ضربه إلى الأرض وأحرق بالنار، والعياذ بالله. وحضر يوما بين يدي أبي عمر رجل يدعى قبل الآخر مائة دينار، ولم تكن له بينة. فتوجهت اليمين على المطلوب بنفي ما زعمه الطالب فأخذ الخصم الدواة وكتب: وإني لذو حلف فاجر ... إذا ما اضطررت وفي الحال ضيق وهل لا جناح على معسر ... يدافع بالله مالا يطيق فأمر القاضي بإحضار مائة دينار ودفعها عنه. فعجب الراضي من أدب الرجل وكرم القاضي، وبحث عن الناظم؛ فلما وجده، أمر له بألف دينار، وخمس خلع، ومركوب حسن، وملازمة دار السلطان.
صفحه ۳۶