عبد الله بن عبد الحكم، وأعلمه أنه فقير؛ فأجرى له سبعة دنانير في كل يوم، وأجازه بألف دينار. وكان رجلا صالحا. وهو أول قاض أجرى عليه المرتب بمصر. ولما امتنع ابن فروخ من القبول لخطة القضاء، وأشار بابن غانم، وهو عبد الله بن عمر ابن غانم، تقدم من قبل هارون الرشيد بإفريقية، وذلك في رجب سنة 171، وهو ابن اثنين وأربعين سنة، في حياة مالك. ولما بلغته ولايته، قال: ما ذلك بخير له {وكان يوجه بمسائله أيام قضائه إليه، فيما ينزل به من نوازل الخصوم، ويكتب إلى ابن كنانة؛ فيأخذ له الأجوبة من مالك. وكان له حظ من صلاة الليل؛ فإذا قضاها وجلس في التشهد آخرها، عرض خصم يريد أن يحكم له على ربه؛ فيقول في مناجاته: يا رب} إن فلانا نازع فلانا وادعى عليه بكذا؛ فأنكر دعواه؛ فسألته البينة؛ فأتى بينة شهدت له بما أدعى. وقد أشرفت أن آخذ له من صاحبه بحقه الذي تبين لي أنه حق له؛ فإن كنت على صواب، فثبتني {وإن كنت على غير صواب، فاصرفني} اللهم {لا تسلمني} اللهم سلمني {فلا يزال يعرض الخصوم على ربه حتى يفرغ منهم. وراكب يوما الأمير إبراهيم بن الأغلب، فزادت دابة إبراهيم في المشي. فحول ابن غانم دابته وعرج إلى داره. فعاتبه على ذلك، فقال له: أصلح الله الأمير} إنما تنفذ أحكام القاضي على قدر جاهه. ولو ساعدتك، وحركت دابتي، سقطت قلنسوتي؛ فلعب بها الصبيان {وراكبه مرة أخرى؛ فشق إبراهيم زرعا؛ فلم يسلك ابن غانم معه. ورأيت بخط القاضي أبي الفضل ما نصه : قال ابن غانم: دخلت مجلس إبراهيم ابن الأغلب. فبينما نحن قعود، إذ أشرف علينا إبراهيم، فقام إليه من كان في البيت غيري، فجلس مغضبا، ثم قال لي: يا أبا عبد الرحمن} ما منعك أن تقوم، كما قام إخوانك؟ فقلت: أيها الأمير {حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم} : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار! فنكس إبراهيم رأسه وأطرق. فكان هذا القاضي يكثر إنشاد هذين البيتين: إذا انقرضت عني من العيش مدتي ... فإن غناء الباكيات قليل سيعرض عن ذكرى وتنسى مودتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل
صفحه ۲۵