فقال له المنذر: أما إذ أبيته، فأشر علي بقاض ترضاه للمسلمين {فأبى عليه؛ فضايقه، وعزم عليه؛ فقال: لا بد أن تلى أو تشير} فقال: أشير عليك برجل من آل زياد، يسكن برية، يعرف بعامر بن معاوية. فقبل منه، وأرسل في عامر؛ فولاه. ومنهم أبو غالب عبد الرؤوف بن الفرج بن أبي كنانة. كان الأمير عبد الله بن محمد به معجبا، وله مفضلا؛ وكان قد اشتهى رؤيته من غير أن يستدعيه؛ فتعرض لذلك يوم الجمعة من طاق الساباط: فرآه عند رواحه إلى المسجد الجامع، وأعجبه سمته، وأحب اجتذابه إليه، وقال: لا بد أن أضمه إلى الوزارة أو القضاء {فذاكر بشأنه الوزير ابن أبي عبدة، وكان صديقا لأبي غالب؛ فقال: ينبغي للأمير أن لا يهجم على الرجل بالاستدعاء، حتى يعرف ما عنده في ذلك. فقال له: فكن أنت الذي يتعرف ذلك. قال الكاتب المدعو بسكن بن إبراهيم: فأرسلني الوزير إليه؛ فعرضت عليه مراد الأمير؛ فتلقى ذلك مني بالنطق والتضاحك، حتى أطمعني في نفسه؛ وجعل يقول: كيف كان تنبهكم لنا بعد طول الغفلة؟ وما نرى هذا منكم عن صحة نية: فانتم أشح بدنياكم من أن تعطوا منها أحدا شيئا، وتشركوا فيها صديقا} قال سكن: فلما صرت به إلى الجد، تنمر لي، وقال آخر قوله: بالله الذي لا إله إلا هو {لئن عاودتني أو غيرك، أو بلغتني فيه عن الأمير عزيمة، لأخرجن عن الأندلس} فلا أعودن إليها آخر الدهر {فترك عن ذلك. وقدم للقضاء بالجزيرة الخضراء وما يرجع إليها، عبد الله بن أحمد بن الحسن الجذامي النباهي، وذلك بإشارة شيخه الأستاذ أبي القاسم بن إبراهيم بن محمد الزهري الإفليلي، أيام ولايته الوزارة للمستكفي بالله. والمستكفي هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عبد الرحمن الناصر من بني أمية. فأبى من القبول؛ وقع العزم عليه في العمل من الأمير، فنفر، وقصد الوزير وخلابه. وكان من جملة مقاله له: سألتك بالله} أتعلم أن الولاية لمثلي أولى من الإباية؟ فأقف عند إشارتك؟ أم تعلم أن الأمر بخلاف ذلك؟ فقال له: يا ابن أخي! حاصل ما أراه أن الولاية في الوقت كرامة وترك العمل سلامة.
صفحه ۱۹