تاريخ القرصنة في العالم
تاريخ القرصنة في العالم
ژانرها
11
من الزنوج. وكان من نتيجة هذا أن تحولت جاميكا إلى أكبر سوق لتجارة العبيد في العالم، وهي السوق التي كانت بمثابة الوسيط في تجارة هذه البضاعة الحية بين أفريقيا وأمريكا، وبمرور الوقت أصبحت بورت رويال القاعدة الرئيسية لقراصنة الكاريبين، وأهم سوق يصرفون فيها غنائمهم.
في جاميكا عقد كبار التجار صفقاتهم مع القراصنة، وكسبوا من وراء المسروقات من الثروات ما يفوق الخيال، وبفضل هذه الشركة حصل القراصنة على منفذ مجاني لبضائعهم في بورت رويال، وهناك حرصوا على ألا يدركهم أي نوع من الملاحقة أو العقاب، إذن أصبح هذا الميناء هو القاعدة الأساسية والوكر الأثير إلى قلوب القراصنة.
ويوما بعد يوم امتلأت المدينة بأناس من شتى الأجناس والشعوب، أغراهم الكسب السهل، حتى لقد أصبحت المدينة بالفعل أشبه ببرج بابل؛ فيها أفارقة ومولدون وهجين، وأناس من أجناس سوداء وبرونزية وصفراء وبيضاء، وهولنديون، وإنجليز، وألمان، وفرنسيون، وإسبان، وبرتغاليون، وأيرلنديون، ومن البلاد الإسكندنافية جاءوا إلى هنا، وأنشئوا مقاهي وخمارات وبيوتا للدعارة والميسر واستراحات للمسافرين العابرين ومحالا وورشا للصناعات اليدوية، لم يكن أحد في المدينة ليعبأ بمصدر هذه السلعة أو تلك، من أين جاءت؟ ومن صاحبها؟ ... كانت نوافذ العرض في المحال مكتظة بالأحجار الثمينة والقطيفة والديباج، والعديد من البضائع الأخرى. كانت التجارة كلها في جاميكا تتوخى هدفا واحدا، هو التخفيف من أحمال جيوب القراصنة الباحثين في نهم عن المتعة والتسلية.
رجال مجهولون من شتى الأجناس كانوا في شوارع المدينة يحلون آذانهم بالحلقان، ويعصبون رءوسهم بالمناديل الزاهية، ويرفلون في ملابس من القطيفة والحرير، وكان القراصنة يشغلون كل نزل بالمدينة، وتغص بهم المطاعم والحانات، يتناولون طعامهم وشرابهم فيها من آنية وكئوس من الذهب والفضة، ويبعثرون أموالهم يمنة ويسرة.
جابت سمعة هذه المدينة الإنجليزية الفاجرة أنحاء الدنيا، ووصلت إلى أوروبا التي أطلق سكانها على بورت رويال اسم «برج بابل القراصنة»، وكان الرأي العام في الدول الأوروبية يزداد إلحاحا يوما بعد الآخر مطالبا حكوماته بوضع حد للأعمال الإجرامية التي تقع في هذه المدينة، التي كانت يوما ما إحدى جواهر التاج البريطاني. لكن أيا من الإجراءات التي اتخذت لم تفلح، بما في ذلك التدخل الشخصي لملك إنجلترا في الأمر. ولقد بذل المستعمرون في جزيرة جاميكا أموالا طائلة، بلغ من ضخامتها أنهم استطاعوا أن يشتروا أصحاب أكبر المناصب وأرفعها لدى البلاط الملكي، وبهذا ضمنوا لأنفسهم النجاة من أية عقوبة.
ونتيجة لما سبق ذكره أخذت القرصنة في النمو يوما بعد الآخر، وازداد عدد القراصنة عما كان عليه من قبل، وأصبحت أساليبهم أكثر عنفا وشراسة بسبب اندفاعهم المحموم وراء الثراء، ومن بين هؤلاء كان هنري مورجان الذي أتينا على ذكره من قبل، والملقب ب «مورجان الشرس».
ولد هنري مورجان في إحدى ولايات جلامور جنشاير، في مزرعة من مزارع ويلز المتواضعة في قرية تسمى لانزيمني، وعندما أصبح صبيا بحارا تسنى له أن يزور جزيرة باربادوس، ليبحر منها إلى جاميكا، وهناك انضم إلى البوكانيين، وشارك في حملاتهم على شواطئ هندوراس.
كانت المرة الأولى التي يستقل فيها مورجان بقيادة سفينة، عندما رأى القبطان إدوارد مانسفيلد فيه شخصا جديرا بذلك. وإدوارد مانسفيلد هو قائد حملة القراصنة على كيوراساو، والتي تعد واحدة من أغنى جزر الأنتيل الصغرى. كان السير توماس موديفورد محافظ جاميكا هو الذي يضع بنفسه خطط هذه الحملة، وكان لتوماس علاقات وطيدة مع البوكانيين، وكثيرا ما استثمر خدماتهم لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية. كان مانسفيلد قد أبلغ بأنه في حاجة نجاح رجاله في طرد الإسبان من جزيرة كيوراساو ؛ فسوف يسمح لهم بنهبها. مثل هذه الوعود كانت تبذلها السلطات الاستعمارية في القرن السابع عشر، وكانت تعد آنذاك من الظواهر العادية.
الذي حدث أن الحملة التي قادها مانسفيلد إلى هناك باءت بالفشل، ووقع قائدها في أيدي الإسبان الذين حكموا عليه بالإعدام شنقا.
صفحه نامشخص