تاريخ القرصنة في العالم
تاريخ القرصنة في العالم
ژانرها
يرسو في ميناء موكا العربي الشهير، في انتظار أعيان دلهي العائدين من الحج في مكة، توجه إلى البحر الأحمر، واضعا في حساباته غنيمة من الذهب والنفائس. ظل آيفري بضعة أيام يتربص بالقرب من ميناء موكا، حتى لاح في الأفق أسطول مغول الأكبر المكون من ست سفن كبيرة. هاجم آيفري من وضع الحركة أكبر السفن، وكانت سفينة رائعة ذات شراع، بنيت في إحدى الترسانات الإنجليزية، ثم أمطرها بوابل من القذائف، وأشعل النيران في شراعها، ثم هاجمها بأسلوب التصادم. وبعد أن قذف بالسفينة العاجزة عن الحركة إلى مصير مجهول، أسرع القرصان في مطاردة سفن أسطول المسلمين الأخرى.
فجأة تلبدت السماء بغيوم رمادية، وبدأت عاصفة قوية، كانت الأمواج الهائلة تقصف سطح السفينة، أما الظلام الكثيف الذي غطى المكان، فلم يكن ينقشع إلا من حين إلى آخر بواسطة البرق، الذي كان يخطف سناه الأبصار. كان المطر ينهمر شديدا قويا، وساد الذعر سطح السفينة، وغطى دوي الريح على صوت القائد.
لم يعد آيفري يفكر في السفينة ذات الشراعين، التي استولى عليها، ولا في كنوز مغول الأكبر، لقد كثف جل جهده للصراع مع الطبيعة. وفي النهاية أخذت العاصفة التي ظلت تعوي طول الليل في الهدوء، وبدا أن الخطر قد زال، ولكن آيفري اكتشف، عندما صحت السماء بعض الشيء، وقد أصابه الرعب، أن سفينته على وشك الاصطدام بصخور الشاطئ. وفي هذه المرة أيضا، يكون التوفيق والحظ، إلى جانبه، فينجح بطريقة ما في الخروج ب «تشارلز الثاني» من تيه الصخور الكامنة تحت الماء.
كم كانت دهشته بعد أن خرج من منطقة الخطر، عندما لاحت أمام عينيه السفينة التي استولى عليها بالأمس، تنساب مع المياه! لقد حمل الصباح الجديد لآيفري مفاجأة أخرى: لم تكن السفينة الشراعية تحمل ذهبا فقط، فمن بين كوكبة وجهاء البلاط كانت هناك ابنة مغول الأكبر نفسه. كانت الأميرة تبدو منتعشة، باسمة الوجه، تماما كما لو أن أحداث الليلة الماضية لم تكن تعنيها، فاستقبلت آيفري استقبالا جديرا بها كسليلة لملوك.
انعقدت بين الفتى والفتاة أواصر صداقة، تحولت على مدى الرحلة الطويلة إلى حب جارف. وبعد أن وصل آيفري والأميرة الجديدة إلى مدغشقر، أعلنا عن عزمهما الزواج، الأمر الذي أصاب رجال بلاط مغول الأكبر بالاستياء الشديد، لكن آيفري وعد بإطلاق سراحهم، لو وقعوا على عقد زواجه على الأميرة بوصفهم شهودا عليه. ومن عجائب المصادفات أن يكون هناك قس بروتستانتي بين القراصنة، أغراه المال الوفير، فوافق على مباركة هذا الارتباط.
أوفى آيفري بعهده، فأطلق سراح الأسرى، بل إنه شملهم برعايته حتى تم توصيلهم إلى الهند، إلا أنه بالرغم من حبه الشديد لزوجه، فإن هذا القرصان لم تعتره أدنى رغبة في أن يعيد إلى حميه سفينته التي استولى عليها، أو النفائس، إذ قرر أن هذه الدوطة
10
التي حصل عليها ليست كبيرة إلى هذا الحد بالنسبة لابنة إمبراطور. لكن «حماه» قرر أن ينتقم لهذه الإهانة التي تلقاها كأب، وكعاهل. وقد أدان ابنته لأنها لم تمتلك الشجاعة الكافية لأن تضع حدا لحياتها بالانتحار، بدلا من استسلامها لغزل القرصان، بالإضافة إلى أنه لم يكن يريد أن يفقد سفينته الشراعية الرائعة، وكنوزه الضائعة. صب الإمبراطور جام غضبه أولا، وقبل كل شيء، على شركة الهند الشرقية، ثم أعلن أنه سوف يهدم كل مبانيها ومنشآتها الموجودة فوق الأراضي الهندية، إذا لم تسارع الشركة بالقبض على القرصان.
أخذ رؤساء الشركة هذا التهديد مأخذ الجد، فتقرر تخصيص جائزة كبيرة مقابل رأس جون آيفري، إلا أن القرصان العاشق لم يكن يرى في هذا العالم، سوى بيته الذي كانت تزينه الأميرة الحسناء. في الوقت الذي ظلت «تشارلز الثاني» راسية في الميناء، وتحول طاقمها إلى رجال فاسدين، لا أمل فيهم، من جراء وجودهم لفترة طويلة على الشاطئ. وفي النهاية قرر آيفري الخروج إلى عرض البحر، وإلا انهار كل أسطول القرصنة الذي يملكه، إلا أن الحملات التي كان يشنها كانت نادرة وقصيرة.
استمرت الحياة العاطفية الرغدة بضع سنوات، حتى وصل آيفري في النهاية إلى استنتاج مفاده أنه أصبح غنيا بما فيه الكفاية، وأن بإمكانه أن يبدأ حياة أسرية هادئة في أي ركن من أركان الأرض، لم تصل إليه أنباء أعماله الإجرامية. رأى آيفري أن زوجه سوف تشعر بالسعادة لو أنه وفر لها احترام «المجتمع الراقي»، وابتعد بها عن أجواء القرصنة، فاتجه في عام 1696م إلى بوسطن، وقد حمل سفينته بكل ثروته، واصطحب معه أقرب الأصدقاء.
صفحه نامشخص