تاریخ ناپلئون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرها
في السابع عشر من كانون الثاني عام 1801 أمر بتنظيم شركة أفريقيا، وشخص القنصل الأول إلى جبال أتلاس
8
ساعيا إلى احتضان فوائد الرقي عند الشعوب المهذبة والهمجية فعهد إلى القائد تورو بأن يرأس تخطيط طريق سنبلون الجميلة.
9
في التاسع من شباط وقع الصلح البري في لونيفيل. عند هذا اغتنم بونابرت الفرصة ليشكو الديوان الإنكليزي بأنه الحاجز الوحيد دون السلام العالمي. فقال للفرقة التشريعية والتريبونه: «فيم هذه المعاهدة ليست معاهدة السلام العمومي؟ إن السلام العمومي، إنما هو أمنية فرنسا، هو الغاية الكبرى من جهود الحكومة، إلا أن هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح. وإن أوروبا جمعاء لتعرف حق المعرفة مساعي الوزارة البريطانية في سبيل إسقاط مداولات لونيفيل.» ثم بعد ذلك قال مجيبا على التهنئات التي وجهتها إليه الفرقة التشريعية: «إن جميع السلطات ستنفق على إدخال إنكلترا في طريق الاعتدال والإنصاف والعقل.»
أما معاهدة لونيفيل التي عقدت خصيصى مع بلاط فيينا فقد أتبعت بمعاهدات خصوصية مع نابولي ومدريد وبارم. في ذلك الوقت أوجد بونابرت مقاطعات روبر، والسار، والرين وموزيل، والمون تونير، وبما أن توسيع الجمهورية وتهدئتها كان من حقهما أن يساعدا على إفلاحه المادي فقد أجاز لنفسه تنظيم بنايات تجارية، وأمر بأن يقام كل عام من 17 إلى 22 أيلول معرض عمومي لحاصلات الصناعة الفرنسية، على أنه لم يكف القنصل الأول أنه قهر أوروبا، وهدأ فرنسا، وأحيا التجارة والصناعة، ونشط الفنون الجميلة والعلوم، بل كان يشعر في وسط أعماله المجيدة بأن خطته في تجديد التنظيمات إنما كانت غير كاملة وأنه لا يزال ينقصه شيء بعد لإكمال بنائه وهو مركز للدين. لم يكن بونابرت قد احتقره، بدون شك، ولكن لم يدبر شيء لأجله، لا في المعاهدات ولا في القوانين، فلكي يعين القنصل ذلك المركز الجديد على أساس شرعي دخل في مداولة مع روما وعقد اتفاقا مع بيوس السابع، أما الفلاسفة الذين كانوا رضوا بثورة برومير؛ لأنها أثبتت حظهم الفجائي فقد شرعوا يصرخون ضد تلك الرجعة الدينية، وربما رغبوا في أن يعلن بونابرت نفسه رئيسا للكنيسة الفرنسية ويقطع بينه وبين السدة الرسولية. إلا أن القنصل الأول كان يفهم تطلبات دين الأكثرية بشكل آخر، ويخشى أن يجرح الأشخاص البارزين في الأمة.
في مدة الثورة، وعلى عهد حكم الفلسفة الظالم، كان الفراغ الذي تركه في الدولة غياب الدين قد أثر ببعض رجال، فحاولوا أن يشيدوه بإقامة الاحتفالات الدينية في المعابد وغيرها. قال روبسبيير يوم ذاك: «إن الذي يستطيع أن يملأ فراغ الألوهة يعد في نظري أعجوبة في النبوغ، وأما الذي يحاول أن ينفيها من روح الرجال من غير أن يسد ذلك الفراغ فهو أعجوبة في الحماقة والفساد!»
أما بونابرت فلم تكن المعتقدات الدينية في نظره سوى أوهام باطلة نسجها الزمن، أو خيالات نشأت في أذهان الشعوب منذ مدرجها وقد حاربها العقل طويلا لأنها حالت دون رقيه. وكان يقول عن الدين المسيحي نفسه، الذي سماه الدين الحقيقي: إن العلم والتاريخ إنما هما عدوان شديدان له.
لقد نسي بونابرت، وهو يعزو هذه العداوة إلى المسيحية من غير أن يبين الوقت والمكان، العلاقة المكينة التي كانت بين الدين والعلم بين الدين والسياسة، عهد نشأة المجتمعات العصرية، وفي منازعات المعتقدات المسيحية والعادات الشريفة ضد تقاليد العالم الهرطوقي الممقوتة ومعتقدات الأمم الوثنية السمجة. ولو اعتقد بونابرت بتفوق الدين في المستقبل لفكر في أن هذا الدين لم يبق بإمكانه، بعد أن مر عليه ثلاثة قرون من الاعتراضات والشكوك الفلسفية، بعد أن مر عليه باكون وديكارت، فولتير وروسو؛ لم يبق بإمكانه أن يعود إلى ما كان عليه في القرون الوسطى، ولكان أتيح له أن يضيف على الفاتح الشارع ورجل الثورة السياسي لقب مصلح ديني. إلا أن بونابرت - نكرر القول - لم يكن يرى في الأديان الوضعية، كفيلسوف، غير أعداء أبديين للدين والمعارف، وكرجل سياسي، غير وسائل للضغط على الشعب، غير أنه عندما رأى أن أكثرية الشعب الفرنسي متمسكة بالكثلكة تمسكا مكينا لم يجد بدا من مساعدة البابا على تنظيم مصالح المذهب الكاثوليكي، ومن الظهور بمظهر راغب في أن يرجع إلى الكنيسة والأسقفية جلالهما القديم، ولقد عزم أن يخفي آراءه الخصوصية تحت مظاهر إيمان علني فاقتحم سخرية بلاطه الفولتيري وحضر قداسا في نوتردام بمناسبة اتفاقية الصلح مع إنكلترا التي عقدت في أميان. حضر الاحتفال الديني جميع الأشخاص البارزين في العصر، وعندما أدرك لان وأجرو، وهما ذاهبان مع الموكب القنصلي، أنهما يتجهان إلى القداس حاولا أن يرجعا، فأشار إليهما بونابرت بالبقاء، وفي اليوم التالي سأل بونابرت أوجرو، مازحا، كيف رأى الاحتفال، فأجابه جندي أركول ولودي الباسل: «جميلا جدا، لم يكن ينقصه إلا المليون رجل الذين قتلوا ليهدموا ما نجدده.»
كان جواب أوجرو مرا، فالمليون رجل لم يموتوا ليلاشوا الدين، بل ليمنعوا رجوع تطرفات الدين، رجوع العشور، والتبرئات، والامتيازات الإكليريكية، إن الثورة إنما محقت التقاليد المسيحية لتنيب عنها العقل، لم تكن غايتها أن تنصر حزبا على آخر، وتحرر العبيد لتستعبد الأسياد، أو أن تجعل للفلسفة سبيلا تصل منها إلى إماتة الدين، وأن لا تهب العالم إلا عار الأعياد الزحلية،
صفحه نامشخص