تاریخ ناپلئون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرها
توقف الإمبراطور مدة في فونتنبلو لدى عودته من ألمانيا، ثم والى سيره إلى باريس فخف إليه الملوك الذين خلقهم لتهنئته بانتصاراته الجديدة وعقد الصلح. إذا استثنينا إنكلترا، التي لم يستطع نابوليون أن يغرس نسوره على أبراجها، فيكون الإمبراطور قد وصل إلى أوجه؛ إذ لم يبق له في أوروبا ما يضيفه إلى مجده وعظمته، فلقد مهد للثورة الفرنسية عروشا في نابولي، ومدريد، وروما، وميلان، وفيينا، ومونيخ، وستوتجار، وكاسل، وميانس، ودريسد، وهمبورج، وبرلين، وفرسوفي. إلا أنه إنما كان يتمنى شيئا واحدا بعد، وهو أن يكون له ذرية ترث التاج بعده، فأخذ يحلم في اكتساب أصدقاء وحلفاء لأسرته، وخيل إليه أنه يبلغ هذا الأرب إذا طلق جوزيفين وتزوج زواجا آخر يضمن له ورثاء شرعيين؛ إذ إن تبنيه لأوجين بوهارنه لم يكن كافيا، ولم يكن أوجين قد نشأ ليجلس على العرش. كان نابوليون يرغب في أن يلقي مقدرات إمبراطوريته في مهد طفل ولد أميرا إمبراطوريا، لا أن يعهد بها إلى الخلق النبيل والكفاءة الأكيدة اللذين عرفا في رجل نضجت روحه إلى جنب الإمبراطور. وكانت جوزيفين تتوقع حدوث هذا الأمر الجلل، بالرغم من أنها، على حد قول نابوليون نفسه في مذكرات سنت هيلين، منحت زوجها السعادة في الحياة وأظهرت له في كل حين أنها الصديقة الأكثر عطفا ورقة.
كان نابوليون رجل سياسة قبل كل شيء، فلم تستطع العاطفة الحميمة أن تتغلب على مصالح الأمة في نفسه. أما جوزيفين فلم يفتها أن تقرأ بختها المنتظر على سيماء زوجها العظيم، الذي كان يتباعد عنها كلما ارتفع في دائرة المجد وأباطيل الملك. وأخيرا تحقق ما كانت تتوقعه ساعة فاتحها الإمبراطور بالسر المشئوم الذي كثيرا ما أبصرته في أعماق نفسه. في اليوم الثلاثين من شهر تشرين الثاني عام 1809 تناول نابوليون وجوزيفين الغذاء معا، فكان نابوليون كالح الوجه مفكرا وجوزيفين حزينة صامتة. وبعد الغداء اختلى الاثنان في غرفة. قالت جوزيفين بعد ذلك: «كنت أقرأ على ملامحه المتغيرة الخصام الأليم الذي كان يحدث في نفسه؛ إلا أنني ما لبثت أن أبصرت دنو ساعتي من خلال اضطرابه وارتعاشه. اقترب مني فأخذ يدي ووضعها على قلبه، ثم نظر إلي فترة من غير أن يتلفظ بكلمة إلى أن ترك هذه الكلمات المشئومة تفلت من شفتيه: «جوزيفين، حبيبتي جوزيفين! أنت تعرفين كم أحببتك وكم أحبك! ... فإليك، إليك وحدك ترجع تلك الأوقات السعيدة التي ذقتها في هذا العالم. ولكن مستقبلي لأقوى من إرادتي يا جوزيفين. ويجب على عواطفي، مهما كانت حساسة، أن تصمت أمام صالح فرنسا».» فلم تشأ جوزيفين أن تسمع أكثر من ذلك وقاطعت الإمبراطور بحدة قائلة: «لا تزد، فلقد كنت أتوقع ذلك؛ وإني لأفهمك.» إلا أن الزفرات خنقت صوتها، وتلاشى الكلام على شفتيها، ثم خارت قواها، فحملت إلى مخدعها حيث رأت نفسها، بعد أن عادت إلى رشدها، بين ابنتها هورتنس وكورفيزار وأمام نابوليون.
سوى أن هذه الصدمة العنيفة الأولى، التي كان الإمبراطور يتوقعها، تركت مكانا لألم أقل شدة وأخف وطأة من الأول؛ فتظاهرت جوزيفين بالتجلد ونزلت عند جميع التظاهرات العمومية التي طلبت منها. ففي ليل الخامس عشر من كانون الأول 1809 مثلت الفاجعة في التويلري، أمام حلقة من الأقرباء، حضرها الأرشيشنسليه كامباسيريس. وهناك وقف نابوليون وتلفظ بهذه الخطبة الوجيزة، قال: «إن سياسة إمبراطوريتي، ومصالح شعوبي الذين عضدوني في جميع أعمالي تريد أن أترك بعدي لأولاد يرثون حبي لشعوبي هذا العرش الذي أجلستني عليه الحكمة العلياء. وبما أن الحظ لم يشأ أن ينيلني أولادا من زوجتي الحبيبة الإمبراطورة جوزيفين، أراني مضطرا إلى التضحية بأعذب ميول قلبي، وأن لا أصغي لسوى خير الأمة والنزول عند فسخ زواجنا ... وإني، وقد بلغت الأربعين من عمري، لأستطيع أن أعتقد بأن سأعيش عمرا كافيا أتعهد فيه الأبناء الذين ستمنحني إياهم الحكمة العلياء. يعلم الله كم كلف قلبي هذا العزم، ولكن ما من تضحية تسمو على شجاعتي ساعة يتضح لي أنها مفيدة لخير فرنسا.
لقد جملت جوزيفين خمس عشرة سنة من حياتي سيبقى تذكارا محفورا في قلبي. ولقد توجتها بيدي وأريد أن تحفظ لقب إمبراطورة، وأن لا تشك يوما في شواعري بل تعتبرني دائما كأعز صديق لها.»
فتمالكت جوزيفين ولفظت بأمانة هذه الكلمات العلنية، التي كان كامباسيريس ينتظرها ليحملها إلى مجلس الشيوخ، قالت: «يأذن لي زوجي العظيم أن أصرح بأنني، وقد قطعت الرجاء من أولاد يحققون آمال سياسة فرنسا ومصالحها، يعذب لي أن أعطيه برهانا على حبي إياه لم يعط بعد على الأرض. إنني نلت كل شيء من كرمه وحبه، فيده هي التي توجتني، ولم أنل من أعالي هذا العرش إلا تمنيات الشعب الفرنسي وعطفه.
إن فسخ زواجنا لن يغير شيئا من شواعر قلبي، فسأظل للإمبراطور صديقته الكبيرة، إني أعلم كم أن هذا الحادث، الذي أوجبته السياسة والمصالح الخطيرة، قد أساء إلى قلبه، ولكن كلا منا فخور بالتضحية التي يقدمها في سبيل الوطن وخيره.»
كانت الحلقة غفيرة، فلما سمع الجميع هذه الكلمات تفطرت قلوبهم حتى كادت الدموع تتفجر من عيونهم. وفي اليوم التالي أصدر مجلس الشيوخ مرسوما يقضي بطلاق نابوليون وجوزيفين. ومن ثم أخذ الإمبراطور يهتم باختيار زوجة جديدة، فأشعره الإسكندر بأنه يعطيه يد إحدى أخواته الغراندوقة آن، إلا أن نابوليون ما لبث أن انتهى إليه، على يد سفيره في النمسا السيد ده ناربون، أن أسرة لورين تغار على اتحادها به، وأنها تغتبط بأن تراه يقترن بأميرة نمسوية هي الأرشيدوقة ماري لويز.
إن سعي الأسر الأوروبية، التي هي أكثر أسر العالم ذهابا في الكبرياء؛ أجل، إن سعيها للاتحاد بنابوليون، بعد أن أعمل فيها السيف وغرس نسوره على جميع أبراجها، إنما سيبقى في التاريخ مثلا حيا للعظمة الخالدة التي بلغت إليها فرنسا وزعيمها الخالد. يا له نصرا عظيما للديموقراطية الفرنسية!
بعد أن أوتي نابوليون الحرية في اختيار من يشاء من أميرات الدم الأكثر عظمة، صحت عزيمته على اختيار ابنة إمبراطور النمسا الأرشيدوقة ماري لويز؛ فعهد إلى المرشال برتيه بأن يذهب إلى النمسا ليطلب يد الأميرة للإمبراطور، فوصل في أول شهر آذار سنة 1810 إلى العاصمة النمسوية، وبعد أن رفع لإمبراطور النمسا رسم نابوليون قال له: «يا صاحب الجلالة، لقد جئت باسم الإمبراطور، مولاي، أطلب منك يد الأرشيدوقة ماري لويز ابنتك العظيمة.
إن ما اتصفت به هذه الأميرة من الخلال الممتازة يعدها اليوم للجلوس على عرش عظيم تطلق من أعاليه تباشير السعادة على شعب كبير ورجل عظيم.
صفحه نامشخص