تاریخ ناپلئون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرها
في أثناء ذلك، شاع أن العدو يهاجم القرية التي استولى عليها الدوق ده ريفولي مهاجمة شديدة، وأن ميسرة الجيش الفرنسي قد تقدمت إلى الأمام ثمانية عشر ألف قدم، وأن المدافع تنطلق كالعواصف في كروس إسبيرن والمسافة التي بين كروس إسبيرن ووكرام مغطاة بخط عظيم من المدافع؛ فأمر الإمبراطور الجنرال مكدونالد بأن ينظم فرقتي بروسييه ولامرك صفوفا للهجوم عضدها بفرقة الجنرال نانسوتي وخيالة الحرس مع مائة مدفع. أما الجنرال الكونت ده لوريستون فقد زحف على رأس تلك الكتيبة المؤلفة من مائة مدفع إلى حيث كان العدو من غير أن يطلق النار، حتى صار على مقربة منه؛ عند هذا بدأت طلائع نيران هائلة أطفأت نيران العدو وزرعت الموت في جميع صفوفه. وزحف الجنرال مكدونالد نحو الأعداء يعضده الجنرال راي، وما هي إلا لمحة عين حتى خسر وسط العدو فرسخا من الأرض، وشعرت ميمنته بخطورة المركز الذي هي فيه فتقهقرت بسرعة عظيمة ولحق بها الدوق ده ريفولي يهاجمها مهاجمة شديدة. بينما كان اندحار الوسط يكابد الويل ويحمل الميمنة ويلا آخر، كان الدوق دورستيد يهاجم الميسرة وهو زاحف إلى وكرام. لقد تكللت فرقتا بروسييه وغودن بمجد عظيم!
عند الظهر، زحف الكونت أودينو إلى وكرام ليعضد الدوق دورتسيد ففاز فوزا باهرا واستولى على هذا المركز الخطير، وفي صباح النهار السابع كان الجيش زاحفا إلى كورنوبرج وولكرسدورف، أما العدو فلما قطع عليه طريق هونغاريا ومورافي وجد نفسه منحصرا في جهة بوهيميا.
هذه هي كيفية حدوث موقعة وكرام، تلك الموقعة الخالدة في التاريخ التي شاهدت أربعمائة ألف رجل وألفا وخمسمائة مدفع يتطاحنون في سبيل مصالح كبيرة في ساحة درسها العدو وحصنها طوال أشهر عديدة. أما الغنائم التي استولى عليها الجند الفرنسي فهي عشرة أعلام وأربعون مدفعا وعشرون ألف أسير بينهم أربعمائة ضابط وعدد من القواد غير قليل، وأما ساحات القتال فقد غطيت بالموتى، الذين شوهدت بينهم جثث كثير من القواد، عدا عن قائد يدعى نورمان وهو فرنسي خان وطنه ودنس مواهبه في سبيل العدو!
رأى نابوليون نفسه، للمرة الثالثة، سيدا على البيت اللوريني الذي عزا إليه نكران الجميل أمام أوروبا والتاريخ، وللمرة الثالثة نزل هذا المنتصر العظيم عند المطاليب السلمية، التي طرحها مسببو الحرب، الذين أفقدتهم معركة وكرام كل آمالهم وقضت على جميع ذخائرهم. طلب إمبراطور النمسا توقيف القتال فمنحه نابوليون ذلك في العاشر من شهر تموز، في زنائيم، ثم فتحت المداولات في سبيل السلم، وبقيت ثلاثة أشهر سكن نابوليون خلالها قصر شنبرن.
أمر الإمبراطور بمحاكمة الجنرال مونه الذي أساء الدفاع في فليسنغ. ولكنه، بقدر ما كان صارما نحو الذين لم يعملوا كل ما بوسعهم لإنقاذ الشرف الفرنسي، كان متساهلا في مجازاة رجال الدماغ والقلب الذين عضدوه في ساحات الحروب، إن بشجاعتهم، وإن بآرائهم؛ فإنه أعطى لقب مرشال، بعد معركة وكرام، إلى أودينو ومكدونالد ومارمون.
كان الجيش الفرنسي في ذلك الحين مستتبا في جميع جهات ألمانيا؛ من الدانوب إلى الأيلب، ومن الرين إلى الأودير. إلا أن هذا الاحتلال المثقل على الأهلين إنما كان يدفعهم إلى سماع جميع الشكايات التي كان عملاء إنكلترا وجواسيس فيينا وبرلين يوجهونها نحو فرنسا وإمبراطورها، والنزول عندها والاقتناع بها، فتصويب اللوم والحقد على نابوليون إذ يصور لهم أنه إنما يغذي الحرب في سبيل مطامعه وجشعه.
أما بوادر هذا الحقد فقد ظهرت في شنبرن حيث حاول أحد الشبان المتعصبين أن يقتل نابوليون وقد جاء من أرفورث إلى فيينا لهذه الغاية، ولما ألقي القبض عليه بقي هادئا لم ينبس ببنت شفة، ولم يبد أقل ندم على محاولته، بل أظهر تأسفه على عدم تمكنه من قتل الإمبراطور، فأراد نابوليون أن يطلع منه على بلاده وأسرته وعلاقاته وعاداته، فصرح الشاب أنه يدعى ستاب من مدينة أرفورث وابن أحد الوزراء المنتمين إلى مذهب لوتيروس، فسأله نابوليون عن السبب الذي ردعه عن قتله يوم كان في أرفورث، فأجابه الفتى: «كنت يوم ذاك متساهلا مع بلادي حتى ظننت الحرب قد انتهت واستتب السلام.» لم يشأ هذا الشاب أن يضرب في نابوليون إلا مسبب الحرب، والقاهر المنتصر الذي لا يعيى، ومقلق الراحة الأوروبية. ولو أدرك الشعب الألماني الموقف الحقيقي، ومن هم الذين غذوا الحرب في أوروبا لصوب حقده على حكومته نفسها وشهر عليها الحرب. ولقد فهم نابوليون من جواب هذا الفتى إلى أية درجة هيجت سياسة أعدائه الكاذبة أدمغة الألمانيين، وود أن يعفو عن ستاب الذي أعجبته صراحته وجرأته، والذي لم يكن سوى آلة عمياء تديرها مشتهيات حركتها المداولات القديمة، إلا أن أوامره لم تصل في الوقت المناسب، ونفذ حكم الموت في الفتى الألماني الذي تلقاه بكل ثبات ورباطة جأش صارخا: «ليحي السلام! لتحي الحرية! لتحي ألمانيا!»
وأخيرا عقد الصلح في فيينا في الرابع عشر من شهر تشرين الأول سنة 1809، ولقد أذعن إمبراطور النمسا إلى التخلي عن بعض أراضيه لفرنسا، حتى إن القيصر نفسه، الذي كثيرا ما عاضد أعداء فرنسا في الحرب، أتيح له أن يأخذ حصته من الأراضي التي سلخت عن ممالك حلفائه السريين؛ إذ إن نابوليون، الذي كان يثق برصانة المظاهرات التي جرت في أرفورث، أعطى الإسكندر القسمة الشرقية من غالليسيا القديمة المحتوية على أربعمائة ألف ساكن. ولما وقعت المعاهدة غادر نابوليون شنبرن ليعود إلى فرنسا، ووصل إلى فونتينبلو في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول.
الفصل السادس عشر
وقف الملوك عن المقاومة في جميع الجهات؛ إذ إن كبرياء الأسر الأريستوقراطية الموروثة قد قهرت جميعها، وتضاءلت أمام مجد العرش الإمبراطوري، أو لجأت إلى ما وراء البحار لتخفي عارها وجراحاتها؛ فأسرة براغانس الشمالية هربت إلى البرازيل، وأسرة نابولي إلى سيسيليا، في حين قدم بوربونيو إسبانيا إلى بايون يتسولون مساعدة نابوليون ويتخلون له عن عرشهم. أما الرءوس الشامخة في الشمال كأسرتي لورين وبراندبورج، اللتين كانتا تذهبان في مذاهب العظمة والكبرياء، فقد اضطرتا إلى الرضوخ للإمبراطور العظيم والتشفع إليه في اعتبارهما حليفتين له، وأما زعيم أسرة رومانوف العظيمة، فقد تكلف ترك دوره البطولي الذي أحرز فيه لقب أول فارس من فوارس الحق الإلهي، ليصرح أينما كان بأنه صديق الرجل العظيم الذي أتاح له المبدأ الثوري أن يقبض على ناصية عرش فرنسا، ثم إن الأمراء الصغار والجمهوريات أجبرتهم الضرورة على الاشتراك في ذلك الرضوخ العالمي، فالأمراء الألمانيون لم يجدوا بدا من الدخول في حماية القاهر الأكبر، كما أن الجمهوريين الباتافيين طلبوا إليه أن يمنحهم ملكا من أسرته.
صفحه نامشخص