الغرب (العدة) فوق القليب (البئر) لرفع المياه.
سار فيصل مخدوعا إلى عنيزة ولكن القدر والاه؛ فقبل أن يدخل المدينة جاءه رجل يعلمه بنية ابن ثنيان، فأخذ للأمر أهبته ودخل برجاله ليلا وهم ينادون أن الحكم لفيصل. ضجت عنيزة لهذه المفاجأة وخذل أهلها ابن ثنيان ففر هاربا إلى الرياض، فتعقبه فيصل وحاصره عدة أيام، ثم صفح عنه وأعطاه الأمان. خرج ابن ثنيان من القصر شاكرا حامدا ولكنه بعيد ذلك أصيب بمرض أودى بحياته.
استقام الأمر لفيصل فبايعه أهل نجد وتمتعوا بالنعم الجمة في عهده الذي استمر في الدور الثاني أربعا وعشرين سنة، حكم فيصل حكما عربيا سعوديا (1258ه / 1842م)، مثل ابني عمه عبد العزيز وسعود، فأقام العدل، وعزز الأمن، وأعاد إلى نجد شيئا من اليسر وسالف المجد، بل إلى ما وراء نجد، فقد بسط سيادته على الشطر الأكبر من شبه الجزيرة، فدانت له الأحساء والقطيف ووادي الدواسر وعسير والجبل والقصيم. دانت له حبا لا كرها.
ولكن الدولة العلية أو بالحري الحكومة المصرية، لم تهمل أمره كل الإهمال، وبما أنها تكبدت الخسائر الفادحة في حملاتها السابقة على أهل نجد، رأت من الأوفر والأسلم أن تسير قواتها على من يدين لابن سعود في عسير. وما كانت تهامة بأسوغ لقمة من نجد.
1268ه / 1852م: قد سير عباس الأول عشرة آلاف جندي نظامي إلى جبال عسير في هذه السنة، فنازلهم هناك العربان يقودهم عائض بن مرعي رئيس آل عائض، وهزموهم شر هزيمة فتقهقر من سلم منهم إلى تهامة، كانت الغلبة في هذه الحرب لآل عائض وبالتالي للإمام فيصل. إلا أن فيصلا كان يتحاشى ما استطاع سفك الدماء؛ عندما حاصرت جنوده بريدة كانت خطته العسكرية أن يمدد الحصار فيحمل الأهالي على التسليم بدون قتال. وقد استنجد أهل القصيم يومئذ بالأمير طلال بن الرشيد فلم ينجدهم خوفا من ابن سعود، ثم استنجدوا بأمير مكة فأبى كذلك، ثم أرسلوا يفاوضون الحكومة المصرية فنفضت يدها منهم؛ مما يدل على أن فيصلا كان عزيز الجانب رهيبا.
وكان محبوبا ولا غرو. فقد جمع في سياسته بين الشدة واللين، فكان كريم الأخلاق، قوي الإرادة، سمحا حليما، محبا للعلماء، رءوفا بالناس، محسنا إليهم، حريصا على مصالحهم.
جاء بلغراف
31
نجدا في عهده فساح في الجبل والقصيم، ونزل من بريدة إلى العارض عن طريق سدير (1278ه / 1862م)، فأقام في الرياض وضواحيها خمسين يوما، ثم رحل إلى الأحساء ومنها إلى الخليج. كان بلغراف شديد اللهجة في انتقاده الوهابية والوهابيين، بل كان متحاملا. وقد جاء البلاد العربية من قبل نبوليون الثالث، كما جاء قبله بخمسين سنة باديا الإسباني (علي بك) من قبل نبوليون الأول، مستكشفا مستخبرا. وللاثنين غرض سياسي يتقدم الغرض العلمي. بيد أن بلغراف، على ما كان من الشدة والنفرة في انتقاده أهل نجد المتعصبين (وهو الإنكليزي اليهودي اليسوعي
32
صفحه نامشخص