من آل سعود وآل الشيخ، ثم بتدميرها، فدمر عساكره قصورها، وأشعلوا النار في دورها، وقطعوا النخيل في بساتينها، ثم فعلوا كذلك في البلدان الأخرى التي اكتسحوها؛ أي في العارض وفي الخرج، وهدموا الحصون والقصور في الوشم وفي القصيم.
قال هوغارث: «لم يكن يطمع محمد علي بضم البلاد العربية إلى ملكه؛ لذلك لم يحسن معاملة أهلها. وجل ما ابتغاه أن يظلوا كما كانوا قبل ظهور المذهب الوهابي نهب الشقاق والفوضى.»
هي الحالة التي كانوا فيها عندما انسحب إبراهيم باشا بجنوده من نجد في فصل الصيف من سنة 1819 بعد أن أقام سبعة أشهر في الدرعية، فضربت الفوضى أطنابها في البلاد، وجاءت عساكر الترك تحل محل العساكر المصرية، فكانت ضغثا على إبالة. قال ابن بشر: «كان الناس يهجرون بيوتهم، فيهيمون على وجوههم في البراري فرارا من التسخير والإرهاق والقتل والتعذيب، فانحل في البلاد نظام الجماعة، وشاعت الحرمات، فصرت لا ترى من ينهى عن منكر، أو يأمر بمعروف.»
وفي هذه الآونة قام رجل من بيت معمر هو محمد بن مشاري يحاول الاستيلاء على قسم من البلاد، فأفلح بادئ ذي بدء سعيه. قد دانت له الوشم والعارض وسدير، ولكنه لضعف عزمه لم يحكم سنة كاملة، ولم يكن في تلك الأيام الوحيد الطالب السيادة من أي وجه كان.
عندما وصل عسكر الترك إلى عنيزة بقيادة رجل يدعى عبوش أغا كتب إليه ابن معمر يقول: إنه طائع للسلطان وإنه ألقى القبض على أبناء سعود ... إلخ؛ فأقره عبوش في مركزه.
كان إبراهيم باشا كما أسلفت القول قد أجلى آل سعود إلى مصر، ولكن مشاري بن سعود الكبير عاد منها هاربا، وتركي بن عبد الله بن محمد كان قد لاذ بالخرج عند تسليم الدرعية. فلما عاد مشاري يطالب بالإمارة قاومه ابن معمر وتمكن من القبض عليه فسلمه إلى الترك فقتلوه. وكان تركي قد عاد من الخرج فنازع ابن معمر الإمارة، وحمل عليه ثم قتله انتقاما لمشاري. وفي ذاك اليوم كان قد جاء وفود أهل سدير والمحمل يبايعون مشاري، فبايعوه في الصباح، ثم بايعوا تركي بعد الظهر.
1236ه / 1820م: وفي هذه المبايعة ينتقل الحكم من سليلة عبد العزيز بن محمد إلى سليلة عبد الله أخي عبد العزيز، ويستمر فيها إلى اليوم. أما لولا تركي لما أنقذ في تلك الآونة بيت آل سعود. بيد أنه لم يستطع في مدة إمارته، التي استمرت عشر سنوات أن يعيد إلى هذا البيت سالف مجده، وإلى ذاك الحكم تلك الصولة التي كانت لابن عمه سعود الكبير، ولا أظن أن سعودا نفسه كان يستطيع ذلك بعد أن توالت على نجد النكبات، وانتشرت بين أهله الردات، ففسدت أخلاق الناس وتلاشت فيهم القوى المعنوية والروحية.
مع ذلك فقد استطاع الإمام تركي أن يستعين بما تبقى من شتات الفضيلة في قوم مغلوب ليحفظ السيادة السعودية في زمن الزعازع والفتن، بل في زمن كانت عساكر الروم (الترك) محتلة قسما كبيرا من البلاد.
على أنه مات شهيدا؛ فقد قتله ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن الذي يمت بنسبه إلى الثالث من أبناء سعود الأول، قتله طمعا بالإمارة، ولكنه لم يتمتع بها أكثر من أربعين يوما؛ لأن فيصل بن تركي قام يثأر لأبيه، فهجم رجاله على القصر بالرياض، وأدركوا مشاري فيه فقتلوه.
آل سعود: الدور الثالث - الحروب الأهلية
صفحه نامشخص