الثانية:
إن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والدليل قوله تعالى:
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا . (سورة الجن: آية 18)
الثالثة:
أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، والدليل قوله تعالى:
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم . (سورة المجادلة: آية 22)
إنك ترى إذن أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل ابن تيمية والإمام أحمد بن حنبل، يعود في هذه الأصول إلى المصدر الأول الأعلى - إلى القرآن. فكل ما هو مبني عليه من العقائد والأحكام لا يرد ولا ينتقد، ولكن الحنابلة والوهابيين لا يختلفون في هذا والأئمة الآخرين. إنما الخلاف في التفسير والاجتهاد، فالجعفريون؛ أي علماء الشيعة، وهم على جهة الاجتهاد في التطرف يفتحون الباب على مصراعيه. والحنابلة وهم على الجهة الأخرى المناقضة يقفلونه. يقرأ الجعفريون بين سطور الكتاب وفي تلافيف الآيات ما يبنون عليه الأحكام، وما لا يخلو في بعض الأحايين من إبهام، فيتخذون التفسير وسيلة للفرار من معنى الآية الحرفي. ويقول العلماء الحنابلة: أن لا باب بعد الخلفاء الراشدين للاجتهاد، إن كل ما في الكتاب واضح جلي، وهناك بين الفريقين علماء المذاهب الأخرى؛ أي الحنفيون والشافعيون والمالكيون الذين يثبتون حق التفسير ولا يغالون في استخدامه.
بعد الكتاب تجيء السنة وهي محترمة متبعة عند الحنابلة والوهابيين، ولكن الإسناد في السنة لا يكون دائما محققا فيثبت بعض المحدثين بعض أعمال النبي وأقواله، ويثبت كل المحدثين بعضها ويختلف المحدثون في جملة منها، هو ذا منشأ الاختلاف بين الشارحين والمفسرين.
ولكن الإمام أحمد بن حنبل اهتدى، على ما أرى، إلى الطريق التي فيها العلم الوضعي الواضح الجلي فيما هي السنة. وكأنه غربل الأحاديث ونبذ كل ما ليس عليه الإجماع، فلا يقبل إلا ما يثبته كل الأئمة، وقد توصل والحال هذه إلى أصح الطرائق العملية وجاء بمذهب في الانتخاب، ولنا أن نقول في التفسير يصح أن يدعى بالمذهب العقلي الوضعي.
هي القاعدة التي وضحها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في قوله: «الحق والصواب ما جاءت به السنة والكتاب، وما قاله وعمل به الأصحاب ، وما اختاره الأئمة الأربعة المقلدة في الأحكام المتبعة، فقد انعقد على صحة ما قالوه الإجماع.» ثم قال: «والسنة في عرف العلماء المتأخرين هي السالمة من الشبهات في الاعتقادات.»
صفحه نامشخص