أما ابن الرشيد ورجاله فتقدموا هادئين ليباغتوا السعوديين وهم نيام، ولكن بعضهم استيقظوا، فتصادموا والمهاجمين، وتضاربوا بكعاب البنادق ثم بالسيوف، فسالت الدماء وعلت الأصوات، «على المشركين! على الخونة!»
أطلقت عندئذ البنادق فهب العسكر كله للقتال، الذي استمر حتى الفجر، فبدت إذ ذاك المياه الجارية بين النخيل وقد احمرت من دم القتلى. - «صبحناكم لا صبحتكم العافية.»
هي الكلمة التي كان يرددها السعوديون عندما تقفوا الرشيديين المنهزمين.
قتل في هذه الوقعة التي تدعى بوقعة الطرفية 5 شعبان 1325 /14 أيلول 1907، ثلاثون من رجال ابن سعود وثلاثمائة من رجال ابن الرشيد. وقد كان الفضل في هذا النصر للحضر في الجيش السعودي. أما البوادي فشردوا، ثم عادوا بعد بضعة أيام.
الفصل الثاني عشر
كسرة أبي الخيل
قلت فيما تقدم: إن أبا الخيل من آل مهنا الذين كانوا متآمرين في بريدة، وإنهم كانوا معادين لآل سعود منذ عهد الإمام عبد الله بن فيصل عم عبد العزيز. أما أهالي بريدة أو الأكثرية فيهم، فكانوا يشكون حكم آل مهنا ويودون التخلص منه، بل كانوا متقلبين متذبذبين. لم يستطيعوا أن يقاوموا أميرهم أبا الخيل، ولا أن يعاونوا عدوه فكانوا يوما معه ويوما عليه، باطنا أو ظاهرا، شأن المستضعفين المستنسرين. وكانوا في انقلابهم وتلونهم أسرع من أميرهم وأسبق، فقد طالما خدع ابن سعود وابن الرشيد، وابن مهنا نفسه بما كانوا يظهرون أو يبطنون.
بعد وقعة الطرفية عاد إلى بريدة من سلموا من أهلها وفر ابن الرشيد وباديته إلى حائل، فزحف ابن سعود في اليوم التالي ليتتبع البريديين، فأغارت كوكبة من الخيل على المدينة وغنمت المواشي التي كانت خارج السور، ثم نزل في الزرقاء شمالا وأباح لعسكره القرى التي ساعدت أهل بريدة، فجاء أهلها في اليوم التالي يطلبون العفو فعفا عنهم.
أما أهل بريدة فظلوا عشرين يوما داخل البلد كأنهم في حصار، فلم يخرجوا لا موالين ولا معادين، ولكن فريقا منهم أرسل يخبر ابن سعود سرا أن أبا الخيل مستول على المدينة بمن معه من رجال ابن الرشيد، وأنه إذا هو انسحب من جوارها يتيح لهم أن ينهضوا على أميرهم وجيشه الشمري.
وكان هؤلاء الشمريون قد عابوا سلطان الرشيد في انهزامه وفراره إلى حائل، وطلبوا منه أن يعود، فعاد ودخل بريدة ليلا. فلما علم ابن سعود بذلك مشى إلى عنيزة فنزل على مسير ساعة من بريدة، ففاجأت خيالة ابن الرشيد رعاة له فأخذوهم. وقد حدث يومذاك قتال اشتركت فيه البدو، فقطعت الحضر ساقتهم؛ أي حمتها.
صفحه نامشخص