تاریخ نحو عربی

علی الشدوی d. 1450 AH
49

تاریخ نحو عربی

تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية

ژانرها

أما فكرة نحو ابن جني، فهي الفكرة النحوية التي تقوم على قوانين الصواب والخطأ. أين الجدة ونحو الدؤلي يستند هو أيضا إلى قوانين الصواب والخطأ؟ تاريخ أي علم لا يكرر الأفكار ذاتها، وإن حدث وتكررت فإن الفرق بينها يحول دون تطابقها؛ كالتاريخ الذي لا يتكرر. وإذا ما حدث وتكرر فإن الفرق بين تاريخين يحول دون أي تعميم بالتطابق بينهما. والفرق بين فكرتي الدؤلي وابن جني هو الفرق بين فكرة تنشأ ولا تعرف أي جهة تسلكها كما هي فكرة الدؤلي، وبين فكرة يراد لها أن تسلك جهة محددة كما هي فكرة ابن جني.

يقوم نحو سيبويه على تشارك الوصفي والمعياري، وهذا ما هيأ جزءا من نحو سيبويه لكي يطبق على أواخر كلمات اللغة. أما النحو المستند إلى قوانين الصواب والخطأ فقد نشأ تحت توجيه فكرة النحو الجديدة؛ أعني قول ابن جني في جزء من تعريفه النحو «ليلحق من ليس من أهل العربية بأهلها من الفصاحة، فينطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذ بعضهم رد به إليها»؛

7

أي إن النحو يصبح بالنسبة للكلام قوانين مستخدمة ينتج عنها علامات إعراب يخضع لها المتكلمون؛ لا من حيث إنتاج الدلالة والمعنى كما في نحو سيبويه، إنما من حيث صواب الكلام وخطؤه.

يمكنني أن أعيد بناء مسار التفكير الذي أوصل إلى فكرة ابن جني عن النحو؛ فقد هيئ الإنسان على نحو يجعله يتعلم اللغة بسهولة ما لم يكن هناك عائق. ولا يثير تعلم الإنسان اللغة أي إشكال. حين يتكلم الفرد في حياته اليومية، فهو يتكلم من غير أن يفكر في قوانين الصواب والخطأ. إنما يتكلم باعتباره ذاتا تعبر عن حياتها الداخلية، ولكي يلبي حاجاته اليومية؛ لذلك فإن مركز الثقل ليس في أن يطابق كلامه صيغ الكلام الصائبة، إنما أن يفهم المخاطب المعنى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتحتم على الفرد، أن يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المخاطب الذي يتكلم معه؛ لأن المخاطب هو الذي سيفهم كلام المتكلم. ولا علاقة هنا لقانون الصواب والخطأ؛ فصحة كلام الفرد لا تهم بقدر ما تهم قيمة الحقيقة فيه أو الكذب، أو طابع الكلام الشعري أو المبتذل

8 ... إلخ.

حين يتكلم الفرد في الحياة اليومية؛ فكلامه لا ينفصل عن محتواه الأيديولوجي أو عن حياته اليومية. ما ينطقه في الحياة اليومية ويسمعه الآخرون ليس الكلمات، إنما الحقائق أو الأكاذيب، الأشياء الحسنة أو القبيحة، المهمة أو المبتذلة، المفرحة أو المحزنة ... إلخ. فالكلام محمل دائما بمضمون أيديولوجي أو وقائعي. وعلى هذه الشاكلة يفهم الناس الكلام، ولا يستجيبون إلا للكلام الذي يوقظ فيهم أصداء أيديولوجية، أو له علاقة بحياتهم اليومية.

9

عندما يهتم أحد بكلامنا وينشغل به، ويتأمله، ويصفه ويصححه أو يخطئه يركب كلاما جديدا انطلاقا من هذه العلميات؛ وهنا يظهر عالم النحو وعلم النحو. في مقابل كلام الفرد الذي ينشأ ضمن سياق محدد هو سياق الحياة نشأ الآن تفكير خالص في كلام الفرد وبكلام الفرد بما ليس من كلام الفرد. ومن هذا المنظور نشأت كلمات مميزة (مفاهيم) ومحددة ومنضبطة كالفعل والفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر ... إلخ. وإبداع النحو العربي يكمن في أنه استعمل كلام العرب، وأنتج منه مفاهيم بكيفية نظرية، وفرضيات ومنهج مصطنع.

10

صفحه نامشخص