تاریخ نحو عربی
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
ژانرها
مفاهيم الكتاب الذهنية
يهدف سيبويه من أمثلته على اختلاف الألفاظ لاختلاف المعنى «جلس وذهب»، واختلافهما والمعنى واحد «ذهب وانطلق»، واتفاقهما واختلافهما في المعنى «وجدت عليه، ووجدت» إلى استكشاف معنى ما ينطق به. ما الذي دفع سيبويه إلى هذه التفصيلات؟ الفضول العلمي هو ما دفعه إلى البحث في الفروق الدقيقة بين الألفاظ؛ فالناس يتكلمون في تجربتهم اليومية بكيفية عائمة وفضفاضة، وحين يتحدثون لا يتوخون الدقة في دلالة اللفظ على المعنى أو «مطابقته». هناك نمطية عامة في التحدث مشروطة بألا تعرقل التواصل في الحياة اليومية، وتبادل التجارب مع أناس يشبهوننا.
بسبب الفضول العلمي المتعلق باللفظ والمعنى سلكت المساءلة الذهنية في كتاب سيبويه دربا جديدا أفضى إلى مفاهيم تشير إلى ما يختفي خلف الظاهر المنطوق به، وهو ما يفهم من حذف العرب بعضا من كلامهم. ثم شمل هذا الفضول المعرفي استكشاف مجمل الظاهرة اللغوية. ومن هذا المنظور فالحذف هو ما قاد إلى مفهوم الإضمار، ومن ثم قاد هذا إلى مفهوم العامل، وليس العكس.
54
فالحذف أقل تجريدا من الإضمار والعامل، مما يعني أن الأكثر تجريدا يتلو الأقل تجريدا. التفكير في الحذف ثم في الإضمار ثم في العامل هو عمليات النحو العلمية التي توقفت عند العامل بوصفه تصورا ذهنيا تأويليا، وأداة تحليلية لعلم النحو.
55
ما كان لسيبويه أن يعقد باب «مجاري الكلم العربية» بدون مفهوم العامل، وما كان له أن يكون عقلانيا وعلميا معا ليتوقف عند قضايا تتعلق بأساليب النداء والقسم والاختصاص ... إلخ من دون افتراض الحذف أو الإضمار. تكمن وظيفة مفاهيم الحذف والإضمار والعامل في أنها تجعل من إحدى وظائف اللغة «التبليغ» افتراضية. وبفضل هذا الافتراض يصبح معنى الكلام موضوع النحو. قد كان سيبويه واعيا بذلك حين يقول: «وهذا تمثيل ولا يتكلم به.»
56
يعلق أبو زيد على أن هذه العبارة دليل «على وعي سيبويه بالفارق بين «العبارة الأصلية» موضوع التحليل وبين «العبارة الشارحة». ومعنى قول سيبويه إن «العبارة الشارحة» «تمثيل ولا يتكلم به» هو أن تقدير المحذوف مسألة افتراضية. وإذا كان المحذوف هو العامل؛ فذلك يؤكد ما ذهبنا إليه من أن «العامل» مجرد تصور ذهني تأويلي، أو هو أداة تحليلية لبناء العلم.»
57
صفحه نامشخص