تاریخ نحو عربی

علی الشدوی d. 1450 AH
44

تاریخ نحو عربی

تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية

ژانرها

على أننا لا نتوقع من بلورة سيبويه مفهومي المسند والمسند إليه أن يكون ردا على نحو أبي الأسود الدؤلي؛ فما زال النحو بمعنى ما دؤليا ولم يحدث القطيعة التامة. فسيبويه استخدم المفاهيم النحوية التحليلية التي دشنها الدؤلي، لكنه سيضع البذرة التي نبتت في كتاب دلائل الإعجاز الذي صنف على أنه بلاغي وليس نحويا، وهو ما يمثل عندنا مفهوم النحو المنسي.

47

مفاهيم المساءلة الجديدة في الكتاب

حسب التقليد العلمي الذي وصلنا؛ فإن قضية اللفظ والمعنى تنتمي إلى البلاغة، لكن محمد عابد الجابري يذهب إلى أكثر من ذلك؛ فقد «هيمنت «قضية اللفظ والمعنى» على تفكير اللغويين والنحاة وشغلت الفقهاء والمتكلمين واستأثرت باهتمام البلاغيين والمشتغلين بالنقد، نقد الشعر ونقد النثر، دع عنك المفسرين والشراح الذين تشكل العلاقة بين اللفظ والمعنى موضوع اهتمامهم العلني الصريح.»

48

ثم يرتب على هذا أن سيبويه لم يكن «الوحيد الذي اتجه بالدرس النحوي العربي هذا الاتجاه الذي يتداخل فيه المنطق واللغة، بل إن عمله إنما كان جمعا وتنظيما للمناقشات النحوية اللغوية البلاغية المنطقية التي انشغل بها جيله والجيل السابق له.»

49

غير أن فرضية الجابري الأساسية؛ أعني النظرة إلى اللفظ والمعنى من حيث هما منفصلان لا تفسر ما تخيله وسماه النظام المعرفي البياني. وليس كافيا أن يقول: إن جمع اللغة وتدوينها وتأليف المعاجم اللغوية نتج عن تصور اللغويين الفصل بين اللفظ والمعنى؛ فالأمر الأهم يؤول إلى التصورات الشخصية المتعلقة بمعتقدات اللغويين اللغوية وتصوراتهم عن طبيعة اللغة ووظائفها.

لقد استند جمع اللغة وتدوينها إلى تصورات شخصية لجامعي اللغة عن طبيعة اللغة ووظيفتها وعلاقتها بالفكر، وعن طبيعة المنهج وعلاقته بما يدونونه أو يتجاهلونه. وقد كان لهذه التصورات أسباب تاريخية وثقافية. وإذا كانت هذه العوامل التاريخية والثقافية قد ولدت تصورات المعجميين اللغوية، وأن هذه التصورات نجم عنها معاجم لغوية فصلت اللغة عن أفقها الاجتماعي، وأن هذا الفصل ولد مشكل الكلمة في علاقتها بالأشكال المحسوسة للتواصل الاجتماعي بين الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية. إذا كان كذلك فإن الأسئلة التي تنتظر الباحثين هي: ما الأصول التاريخية لهذا المشكل؟ ما الشروط الاجتماعية لبقائه؟ وما الأسس الثقافية لهذا كله؟ وهو ما لا تجيب عنه فرضية الجابري المتعلقة بفصل اللغويين بين اللفظ وبين المعنى.

نشأت معتقدات اللغويين والمعجميين المتعلقة بطبيعة اللغة العربية من جو المرحلة الفكري الرافض لأي تجديد لغوي؛ لأنه يتعارض مع ثبات اللغة العربية وأزليتها. ومن زاوية ثبات اللغة وأزليتها من الطبيعي أن يتجاهل اللغويون وجود الكلمة المجتمعي الجديد، وتسرب الكلمات الجديدة إلى العلاقات التي تربط بين الأفراد، ولحمة الكلمات لمجال العلاقات الاجتماعية، وسجل الكلمات الذي تتواصل به شرائح المجتمع. لهذا كله لا أوافق على الفصل الذي افترضه الجابري بين اللفظ والمعنى وأدى إلى ما اعتقده في كتاب سيبويه، فالجابري يرى أننا لسنا «بإزاء تقرير قواعد نحوية تضبط كيفية النطق والكتابة».

صفحه نامشخص