تاریخ نحو عربی
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
ژانرها
علي الشدوي
مقدمة
ما سيتلو تدوين لأفكار في تاريخ النحو العربي كما تمنيت أن يكون، وليس ما هو كائن. وهي أفكار تنطلق من تصور شخصي لأفق تاريخ مفهوم النحو العربي، وإحدى سبل مقاربته. تأملات تجعل من الكتاب كتابا شخصيا؛ لأنني هاو لعلم النحو ولست متخصصا، لكنني أومن بالتعاون بين المتخصصين والهواة في العلوم الإنسانية. فكلما غرقت الأبحاث العلمية في التخصص باتت في حاجة أكثر إلى غير المتخصصين؛ لأنهم أكثر مرونة وجرأة ومغامرة؛ وهذه قيم لا يستهان بها.
من وجهة نظر تعليمية، يقترح الكتاب تصورا لتاريخ مفهوم النحو العربي؛ فهناك أفكار تكشف تطور مفهومه، وهي أفكار تنتمي إلى عدد من النحاة، لكن بعض النحاة لهم التأثير الأكبر في تطور مفهوم النحو. ومن هذا المنظور، اقتصرت على خمسة نحاة هم: أبو الأسود الدؤلي، وسيبويه، وابن جني، وعبد القاهر الجرجاني، وابن مضاء النحوي. ومع أن القارئ يمكن أن يحاجج حول من ينبغي أن يعتبر من أساطين النحو العربي كأن يضيف ابن السراج أو المبرد أو الكسائي، إلا أنني لا أشك أن الذين اخترتهم أثروا بشكل غير عادي؛ بحيث نجد المتخصصين في النحو ما زالوا يوردون آراءهم أكثر من أي نحاة آخرين؛ ليوضحوا قضايا ومسائل ومشكلات كونت التفكير النحوي.
من وجهة نظر تاريخية، يقترح الكتاب تصورا يركز على الأولويات المتعلقة بمفهوم النحو؛ أي إنني حاولت أن أضع حدا لضوضاء الأفكار التي تزخر بها كتب النحو العربي، بحيث أركز على أفكار قليلة؛ لذلك توجب علي أن أفهم الصعوبات الكامنة في كثرة كتب النحو تأليفا واختصارا وشرحا، وأن أتخلص من بعضها لأنها غير ضرورية؛ لذلك لم أعط كتابا نحويا من كتب النحو العربي مكانة في تاريخ مفهوم النحو إلا بقدر ما أحدث من تغيير في تصور مفهوم النحو. والكتب التي لا تحقق هذا تنتقل إلى نوع آخر من الكتب؛ تلك التي لا نسميها كتبا مؤسسة كالحواشي والمختصرات والشروح؛ أي إنها كتب غير أصيلة؛ لكي أتلافى الخلط بين الكتب المؤسسة وغيرها. وهكذا اخترت الكتاب لسيبويه، والخصائص لابن جني، ودلائل الإعجاز للجرجاني، والرد على النحاة لابن مضاء؛ لاعتقادي أنها أبدعت أفكارا تعود في النهاية لتصب في تطور مفهوم النحو.
إنني أظن أن معظم القراء سمعوا بالكتاب والخصائص ودلائل الإعجاز، لكن من من القراء غير المتخصصين سمع بكتاب الرد على النحاة؟ لا أتحدث هنا عن معرفة القارئ العام؛ إنما عن معرفتي أنا؛ ذلك أن معرفتي به اقتصرت على نقد نحو المشرق، وهي الفكرة التي لم تعد عندي الفكرة الوحيدة بعد أن قرأته. إنما أخذتها على أنها إحدى سبل فهم الكتاب، وأن هناك سبلا أخرى لفهمه. سأجمل هنا ما فصلته هناك بأن إحدى سبل فهمه تقود إلى خيبة للأمل؛ لأنه لا يضيف شيئا إلى تطور مفهوم النحو؛ هذا إن لم يكن هناك تراجع في تصوره النحو على أن النحو علم عقلاني.
أما من وجهة نظر معرفية، فالكتاب يقترح طرقا مختلفة لتاريخ النحو تختلف عما ألفناه في كتب تاريخ النحو الكلاسيكية كالمدارس النحوية، والمراتب والطبقات، ويدعو النحويين المعاصرين إلى إسقاط الرهبة عن القدماء؛ إذ في استطاعتهم أن يطرقوا مناطق عمل جديدة. وكأي تاريخ علم؛ فتاريخ النحو لا يرتبط بأي زمن، وليس عرفا ولا تقليدا ينتقل من عصر إلى عصر؛ لذلك فإن كل مرحلة تاريخية يمكن أن يكون لها مؤرخوها من المهتمين بتاريخ علم النحو.
بسبب هذه المنظورات الثلاثة؛ أعني التاريخي والتعليمي والمعرفي، فإن الكتاب لم ير أبا الأسود الدؤلي بالصورة التي رآه بها سيبويه، ولا بالصورة التي رآه بها ابن جني أو الجرجاني أو ابن مضاء، بل إن الكتاب رأى الدؤلي على نحو مختلف ؛ بسبب سيبويه وابن جني والجرجاني وابن مضاء.
لقد عرضت أفكار هؤلاء النحاة بالشكل الذي يغني عن عودة القراء إلى الكتب، ومع ذلك لا يمكن أن يغني العرض عن عودة القارئ إليها ومن ذات المنظور؛ أعني من منظور تطور مفهوم النحو. أثناء العرض حاولت أن أقترح تصورا لتاريخ النحو العربي، ومن مداخل متعددة. وهو تصور يستند إلى تمعنات تاريخية ونقدية، ويضم أسئلة لم تعرض من قبل على ما أعرف، ومجالات تحليل مقترحة يمكن أن تؤدي إلى أن نفهم تاريخ النحو من جهة قضاياه ومشكلاته ومفهوماته.
حاولت أثناء التحليل أن أقوم بمحاولتين في آن واحد؛ الأولى: أن أساير ما هو وارد في الكتب التي اخترتها. والثانية: أن أتأمل ما أوردته هذه الكتب من موقع الذي جاء متأخرا، ويعرف من المعلومات أكثر مما يعرفه أحدهم عن الآخر، وقرأ كتبهم وهو ما لم يكونوا قاموا بذلك.
صفحه نامشخص