للبطريرك والثالثة لأسقف قيسرية قبادوقية اليعقوبي. ومن ذلك الحين أخذ يتجول في اسقفيته المتسعة ويقوم بمهام منصبه ويسعى فيما يؤول الى نجاح رعيته ويدأب في خيرهم حتى استتبت لهم الراحة التامة وشملهم الأمن فحسدهم سكان البطريركية في سورية وارمينية وقيليقية. وقد اتى في مفريانيته أعمالا خطيرة جدا وآثارا مشكورة إذ عني بإنشاء وتجديد كنائس واديار كثيرة واقام اثني عشر اسقفا اختارهم ممن تميزوا بالعلم وحسن السيرة.
وعمّر ابو الفرج ستين سنة وتوفي ليلة الثلاثاء في الثلاثين من تموز سنة ١٢٨٦ في مدينة مراغة من اعمال اذربيجان وكان قد انتقل إليها منذ برهة من الموصل. فلم يقتصر جماعة اليعاقبة القليلة في تلك المدينة على الاحتفال بمأتمه بل شاركهم في ذلك النساطرة والأرمن والروم على ما اخبر به اخوه برصوما.
كان ابو الفرج على بدعة اليعقوبية الذين يعتقدون طبيعة واحدة في السيد المسيح.
ولكنك إذا طالعت قوله في قانون الايمان: «ان في سيدنا يسوع المسيح طبيعتين هما اللاهوت والناسوت. وان اتحاد لاهوته مع ناسوته عجيب لا يستطاع وصفه وهو من غير امتزاج ولا اختلاط ولا تغيّر ولا تحوّل مع سلامة الفرق بين الطبيعتين في ابن واحد ومسيح واحد» حسبته كاثوليكيا بحتا. الا انه لم يلبث ان ناقض اعتقاده بقوله: «ذات واحدة وشخص واحد واقنوم واحد ومشيئة واحدة وقوة واحدة وعمل واحد» . ومن هنا تعلم انه كان يقول بمذهب المشيئة الواحدة فوق مذهب الطبيعة الواحدة. وقد حاول اثبات معتقده هذا في كتاب له سماه منارة الاقداس. وخالف في الكتاب نفسه اعتقاد كنيسته بقوله: ان الروح القدس غير منبثق من الابن.
وكان ابن العبري رجل كد وعمل لم ينقطع حياته كلها عن المطالعة والتأليف فانه ألف ما يزيد على الثلاثين كتابا بالعربية والسريانية ذكر العلامة السمعاني اسماءها ووصف اربعة عشر منها في المجلد الثاني من المكتبة الشرقية من صفحة ٢٦٨ الى ٣٢١ ومنها يتبين انه اشتغل بجميع اصناف العلوم الادبية إذ انه كتب في المسائل اللاهوتية وشرح الكتاب المقدس والشرع الكنائسي والمدني والفلسفة وعلم الهيئة والطب والتاريخ والنحو والشعر والفكاهيات.
اما تأليفه لكتاب تاريخ الدول هذا فروى اخوه برصوما انه لما فشت التعديات في نواحي نينوى ألحّ عليه في الانتقال الى مراغة. ومن حيث انه كان هناك مكرّما من خاصة
المقدمة / 5