تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
ژانرها
3
وعززه بأسطول من المراكب الصغيرة، حتى إذا تم لهما فتح المدينة سار الأسطول في النيل وبجانبه الجيش لينضما إلى جيش نابليون عند «الرحمانية». وجد «نابليون» في البر حتى وصل إلى دمنهور بعد أن لاقت جيوشه من التعب والحر والظمأ ما ذهب بقواهم
4
وزاد من سخطهم، فاستراحوا بها يوما، ثم واصلوا المسير نحو الرحمانية فجر يوم 26 المحرم، وقبل وصولها التقوا بشرذمة من المماليك لم تكد تشتبك معهم حتى فرت أمام نيرانهم الحامية.
ولما وصلوا إلى الرحمانية رأت جنود نابليون النيل لأول مرة، فهرولوا إليه يطفئون ظمأهم، ويمتعون أبصارهم التي ملت الصحراء ورمالها، وأبدوا رغبة عظيمة في البقاء طويلا بالرحمانية ، فرأى نابليون أن يبقى بها بضعة أيام ريثما يلحق به الجيش والأسطول اللذان ذهبا لفتح رشيد.
وكان هذان قد نجحا في مهمتهما، وسار الأسطول في النيل، وانضم الجيش إلى نابليون، ثم سار الجيش إزاء الأسطول على ضفة النيل الغربية، إلا أن الريح كانت شديدة، فساقت الأسطول أمام الجيش حتى وصل منفردا إلى «شبراخيت» - بعد الرحمانية - فالتقى هنالك قبل وصول نابليون بأسطول المماليك وجيشهم المؤلف من 4000 فارس على رأسهم «مراد بك»، فوقع الأسطول الفرنسي بين نارين، وكاد الماليك يفتكون به لولا أن اشتعلت النار بذخيرة إحدى سفن المماليك، فعاقهم ذلك حتى وصل نابليون، فقسم جيشه إلى خمسة مربعات، وأمسك عن إطلاق النار حتى أقدم عليه فرسان المماليك بشجاعتهم المعتادة، ولما صاروا على مرمى مدافعه أطلقها عليهم، فكانت تحصدهم حصدا؛ فاضطر مراد بك إلى الانحياز إلى القاهرة بمن بقي من رجاله (29 المحرم/14 يوليو).
وكان أهل القاهرة قد استولى عليهم الجزع منذ نزول الفرنسيس إلى أرض الإسكندرية، فلما جاءهم نبأ انهزام مراد بك بشبراخيت وتقهقره إلى القاهرة هاجوا وماجوا، وأخذ الكثير منهم يفرون من المدينة. ولما سمع «إبراهيم بك» بتقهقر زميله شرع في تحصين «بولاق» - فرضة القاهرة في ذلك الحين - وعمل على نصب المدافع على النيل بين بولاق وشبرا، وأقبل عليه الأهلون يساعدونه بكل ما لديهم من الوسائل، فاكتظت بهم بولاق حتى كان يخيل للناظر أن سكان القاهرة انتقلوا إليها، وكان الجميع يزداودن فزعا كلما سمعوا باقتراب الفرنسيس، فامتلأ الجو بصياحهم وعويلهم وتضرعاتهم، والعقلاء منهم ينصحون لهم بالتزام السكينة، ويذكرونهم بأن ذلك لا يجدي نفعا، وأن النبي وأصحابه كانوا يقاتلون بالسيوف والرماح، لا بالعويل والصياح.
أما مراد بك فإنه استعد للقاء الفرنسيس ببلدة «أنبابة» من أعمال الجيزة وخندق بها، ونصب المدافع أمام عسكره مخافة أن يحصل له ما حصل بشبراخيت يوم هاجم الأعداء بفرسانه من غير المدافع.
وقد كانت تجزئة المماليك لقواهم على الوجه المتقدم من أكبر غلطاتهم؛ إذ كان خير طريقة لهم أن يجمعوا كل قواهم على الشاطئ الشرقي وينتظروا قدوم العدو ، فيضطروه إلى عبور نهر النيل العظيم، فيهاجموه مجتمعين أثناء عبوره، ولكنهم غفلوا عن ذلك كما غفلوا عن غيره من الحيل الحربية، واعتمدوا على شجاعتهم وانتصاراتهم القديمة، ونسوا أنهم إنما يحاربون دولة في مقدمة دول أوروبا؛ لها من الدراية بالفنون الحربية الحديثة ما تذوب أمامه كل شجاعة، ويفنى به كل استبسال. وصل نابليون إلى «أنبابة» في (اليوم السابع من شهر صفر/21 يوليو)، فرأى المماليك أمامها في انتظاره، وقد ملئوا الجو بصياحهم وحماستهم، وبريق دروعهم وملابسهم المطرزة بالقصب يتلألأ في الشمس فيزيد منظرهم روعة ومهابة، ورأى وراءهم الأهرام تتجلى في الصحراء وتذكر القادم بأنه في أرض الفراعنة الأقدمين، فأشار إليها وقال محرضا جنوده على القتال:
أيها الجند، إن أربعين قرنا تنظر إليكم من قمة هذه الأهرام.
صفحه نامشخص