تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
ژانرها
ولما علمت الأمة الإنجليزية والأمة الفرنسية بما فعله إبراهيم باشا في بلاد المورة من تخريب البلاد واستعباد نسائها وأطفالها، حنقتا عليه. وانتهزت الروسيا هذه الفرصة فبدأت تفاوضهما في أمر التدخل؛ فعقد لذلك مؤتمر في لندن في (29 ذي القعدة سنة 1241ه/يوليو سنة 1826م)، قرر إرسال عمارة بحرية قبل الدول الثلاث، تكون القيادة العامة فيها للقائد الإنجليزي «كدرنجتون».
وكانت إنجلترا وفرنسا لا تزالان تحذران ازدياد النفوذ الروسي في شبه جزيرة البلقان، فأمرت الحكومة الإنجليزية القائد «كدرنجتون» بأن يتجنب محاربة الترك ما أمكنه ذلك، وأن يعمل طاقته لإبرام اتفاق أساسه أن يمنح الخليفة اليونان استقلالا داخليا مع بقائها جزءا من أملاك الدولة العثمانية.
وفي أثناء هذه المفاوضات أرسل محمد علي عمارة بحرية لتساعد العمارة التي كانت في المياه التركية على تحطيم الأسطول اليوناني، الذي كان يتوقف عليه مصير الحرب. وعندما وصلت هذه العمارة إلى المياه التركية كان القائد «كدرنجتون» قد تمكن من إبرام هدنة مع إبراهيم باشا في مصلحة اليونان، وفي أثنائها كانت المفاوضات دائرة بين السلطان وبينه؛ للنظر في منح اليونان استقلالا داخليا كما قدمنا، فلم يتعرض كدرنجتون لدخول العمارة التركية المصرية في خليج «نوارين».
وفي اليوم التالي أخبر إبراهيم باشا القائد «كدرنجتون» أن أحد زعماء اليونان - كوكرين - ومن تبعه من مواطنيه يهاجمون «بتراس»، وأنه مضطر إلى الذهاب إلى تخليصها من أيديهم، فلم يقبل «كدرنجتون» مبارحته خليج نوارين، إلا أنه تمكن من الإفلات ببعض سفنه، وحاولت بقية العمارة اتباعه فلم يمكنها، واضطرت إلى الانزواء في الخليج.
عند ذلك أصدر كدرنجتون أوامره إلى أسطول المتحالفين بالدخول في خليج نوارين، وأن ترسو سفينته على مقربة من العمارة التركية المصرية، فأراد الترك أن يمنعوه من الدخول فلم يفلحوا، فلما دخلت أساطيل المتحالفين وجدت الأسطول التركي المصري مصفوفا داخل الميناء على شكل نصف دائرة، يرتكز أحد طرفيها على قلعة البلد، والآخر على قلعة جزيرة «سفا كتيري» عند مدخل الميناء، وكان يحمل ما لا يقل عن 19000 جندي و2082 مدفعا تقريبا.
ولما رست الأساطيل المحالفة في الميناء، اقتربت إحدى الحراقات التركية من إحدى البوارج الإنجليزية، فأرسلت هذه لها زورقا يأمرها بالابتعاد؛ فكان الجواب أن صوبت على الزورق نارا حامية أتت على كل من فيه، فانتشب حينئذ القتال، وتكاثف الدخان حتى أصبح من الصعب الوقوف على ما حصل، إلا أن «محرم بك» قائد الأسطول المصري أخبر كدرنجتون أنه لا يريد القتال، فأخلى له السبيل. لكنه عدل عن فكره الأول وصوب مدافعه على السفينة الإنجليزية «آسيا»، فاستؤنف القتال، ولم يمكث طويلا حتى دمرت سفينته، وظلت الحرب مشتعلة مدة ثلاث ساعات، فأسفرت النتيجة عن تدمير معظم العمارة المصرية التركية.
وتقول الحكومة الإنجليزية إنها لم تكن تقصد الحرب، وإنها عادت باللائمة على كدرنجتون؛ إذ كان غرضها الوحيد من هذه المظاهرة البحرية إجبار الدولة العلية على منح اليونان استقلالا داخليا وإيقاف القتال بأي حال.
أما إبراهيم باشا فلم يكن حاضرا تلك النكبة، بل كان في بلاد المورة يهدئ الأحوال بها، وقد أصبحت كلها في قبضته. فلما سمع هذا الخبر أبرق وأرعد، فلم يجده ذلك نفعا. ولما ثاب إلى رشده اختار خطة للدفاع، فكان حاله في بلاد المورة كحال نابليون بونابرت في مصر بعد موقعة بوقير البحرية؛ إذ انقطعت بينه وبين أبيه طرق المواصلات.
ولم تكن موقعة «نوارين» هذه كافية لاستقلال اليونان؛ ولذلك أصبح من المحتم على الحلفاء التدخل في أمرها، إلا أنه ظهر لإنجلترا وفرنسا أن كل تدخل من قبلهما يخفض من شأن الدولة العلية ويزيد النفوذ الروسي؛ فاقترح «بالمرستون» وزير خارجية إنجلترا في ذلك الوقت أن يحتل بلاد المورة ستة آلاف من الجنود الإنجليزية، ومثلها من الفرنسيين، حتى يمنح الباب العالي تلك البلاد استقلالها الداخلي، فأبى البرلمان الإنجليزي ذلك، فقامت فرنسا بالأمر وحدها وأرسلت 15000 جندي لتحتل المورة (صفر سنة 1244ه/أغسطس سنة 1828م).
وعند ذلك ظهر «كدرنجتون» في المياه المصرية عند الإسكندرية، وأرجع بعض السفن التي كانت ذاهبة لمساعدة إبراهيم، ثم أرسل إلى محمد علي باشا إنذارا نهائيا بتخريب الإسكندرية إذا لم يسرع باستدعاء إبراهيم وإخلاء المورة، وبمساعي المستر «بركر» السفير الإنجليزي في مصر تم الاتفاق مع محمد علي على إخلاء بلاد المورة بشروط، أهمها:
صفحه نامشخص