تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
ژانرها
ثم كتب عمر إلى الخليفة يستفتيه في السكنى بالإسكندرية، فسأل الخليفة الرسول: «هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟» قال: «نعم يا أمير المؤمنين، إذا جرى النيل.» فكتب إلى عمرو: «إني لا أحب أن تنزل المسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم شتاء ولا صيفا، فمتى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم إليكم قدمت.» وتلك كانت قاعدة عمر في جمع المسلمين في بقعة لا يحول بينهم وبينه ماء. كذلك فعل ببناء البصرة والكوفة. فاستخلف عمرو في الإسكندرية حامية، وأمر فشدت الرحال إلى حصن بابل، فلما بلغوا المكان حيث خيمة الأمير رأوها لا تزال منصوبة، وفيها اليمام، فنزلوا فيها، وجعلوا تلك الخيمة مركزا لمعسكرهم. ثم انضمت القبائل بعضها إلى بعض، وأخذوا في بناء البيوت لسكنى الجيوش، فاختط عمرو مدينة شمالي الحصن دعاها الفسطاط باسم الخيمة، فيها نحو عشرين حارة دعاها خططا، وأقام أربعة من كبار رجاله ينزلون الناس في الخطط المذكورة بحسب أحزابهم وقبائلهم. (ط) حصن بابل أو دير النصارى
وفي مكان حصن بابل اليوم كنائس قبطية قديمة العهد، يدعون مجملها قصر الشمع، أو دير النصارى، أو دير ماري جرجس. فإذا تجاوزت جامع عمرو مسافة بضع دقائق ومصر العتيقة إلى يمينك؛ رأيت إلى يسارك بناء كبيرا يظهر أنه مؤلف من عدة أبنية عليها ملامح الشيخوخة، وكأنها محاطة بسور كبير من القرميد الأحمر، عند أسفله باب قديم مفصح بالحديد الغليظ يتصل إليه بانحدار لا يقل عن ثلاثة أذرع، هو أحد أبواب الحصن، وتدخل من هذا الباب في زقاق ضيق تتصل منه إلى أزقة كثيرة كلها ضيق من النمط القديم تستطرق إلى عدة كنائس قبطية منها كنيسة السيدة العذراء، وكنيسة أبي سرجة، وكنيسة ماري جرجس، وكنيسة القديسة بربارة، وكنيس لليهود (كان في الأصل كنيسة على اسم القديس ميخائيل) وغير ذلك، وقد زرت جميع الكنائس؛ فرأيت أنها مع تقادم عهدها في البناء قد جدد فيها قسم عظيم، وجميعها داخلة في بناء الحصن.
ومما يستحق الانتباه أني شاهدت تحت كنيسة أبي سرجة مغارة ينزل إليها بعدة درجات، يقولون: إنها كانت مقاما للسيدة مريم العذراء عند قدومها إلى مصر، ويلوح لي أنها كنيسة من الكنائس التي كان يصلي فيها المسيحيون في أيام الاضطهاد الشديد؛ لأنها تظهر للمتأمل مبنية على مثال الكنائس الحاضرة، ففي صحنها إلى كل من الجانبين عدة أعمدة بينها نقر في جدار المغارة أشبه بالمذابح، وفي المغارة جرن للعمادة.
أما الحصن فإذا تأملت جدرانه الباقية من الخارج رأيتها على نمط البناء الروماني، وترى أحدها - وهو الجنوبي - لا يزال عبارة عن برجين كبيرين في أحدهما كنيسة العذراء المعروفة بالمعلقة، سميت كذلك لارتفاعها، وقد جدد بناؤها منذ بضع سنين، وبين البرجين باب مسدود، وقد طمرت الأتربة جزءه السفلي، ويشاهد في جدران أخرى آثار مثل هذين البرجين، وتشير هذه الأبراج إلى ما كان عليه هذا الحصن من المناعة (انظر شكل
3-2 ) فلا غرو إذا امتنع على العرب سبعة أشهر .
أما محلة نابليون التي قد أقيم فيها هذا الحصن فلا يمكن معرفة حدودها الآن، ولكن يشاهد إلى جنوبي الحصن ببضع مئات من الأمتار دير يقال له: دير بابليون يدخل إليه من باب ضيق مصفح بالحديد، وفيه إلى الآن كنيسة السيدة مريم يجتمع إليها بعض المسيحيين للصلاة، وبناء هذا الدير أشبه ببناء الحصون منه بالأديرة، وهو قائم في منخفض بين تلين يقال لهما تل غراب، ولم يبق الآن غير هذا الدير حاملا لاسم تلك المحلة.
أما الفسطاط: فقد خربت، ولم يبق منها إلى آكام من الأتربة فيما بين القاهرة ومصر العتيقة، يحدها شمالا أطراف القاهرة، وجنوبا السبع السواقي ومصر القديمة، وشرقا آكام من الأتربة متصلة بالقرافة، وغربا مدافن النصارى.
وجعل عمرو الفسطاط عاصمة الديار المصرية، ومركز الإمارة، وجعل على الوجه القبلي عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وتولى بنفسه صلات مصر وخراجها، فكان يجبي منها 12 مليونا من الدنانير سنويا.
وكان في جملة القبائل التي شهدت فتح مصر وجاءت لاحتلالها قبيلة همذان، فهذه أحبت النزول في الجيزة مع من والاها من المسلمين، فاستأذنوا عمرو بن العاص، فقال: مهلا ريثما أستشير أمير المؤمنين، فكتب إليه يعلمه بما فتح الله عليهم، وبما أرادت همذان، فأجابه يحمد الله على ما كان من ذلك، ويقول له: «كيف رضيت أن تفرق أصحابك بأن يحول بينك وبينهم بحر، ولا تدري ما يفجؤهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره، فاجمعهم إليك، فإن أبوا عليك، وأعجبهم موضعهم بالجيزة، وأحبوا ما هنالك فابن عليهم من فيء المسلمين حصنا.» فعرض عليهم عمرو ذلك فأبوا وأعجبهم موضعهم، فبنى لهم حصنا يقيهم إذا فاجأهم أمر.
ثم سار عبد الله بن سعد إلى الوجه القبلي لتدويخ البلاد فلم يلق معارضا، وما زال حتى أتى بلاد النوبة ففتحها كلها. (ي) إصلاح البلاد وتنظيمها
صفحه نامشخص