تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

جرجی زیدان d. 1331 AH
215

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

ژانرها

فلما دار ذلك بين الجيوش أعرضوا عن فرج، ولم يبق له نصير فحاول الفرار فلم ينج فقبض عليه، وقيد إلى الخليفة فانتحل له ذنبا يستوجب عليه المحاكمة، وهو أنه قد اضطر لكثرة ما أنفقه في محاربة التتر أن يضرب ضرائب فوق العادة فرفعت عليه عرائض التشكي إلى مجلس الأئمة والفقهاء أنه اختلس الأموال، وخرب البلاد، وأنه تمرد على الخليفة ظل الله على الأرض، فاتخذ الخليفة ذلك ذريعة للحكم على فرج بالإعدام، فقتلوه في 25 محرم سنة 815ه خارج أسوار دمشق، وتركوا جثته ملقاة على دمنة هناك. (6) سلطنة الإمام المستعين بالله (من سنة 815-815ه/1412-1412م)

فاجتمعت السلطتان الروحية والسياسية للمستعين بالله فبايعه الأمراء وقواد الجند، ولقبوه بالملك العادل فاستلم مقاليد الأحكام، وجعل الشيخ المحمودي أتابك العساكر ومدبر المملكة، وأخذ في إصلاح الأحوال، ووجه انتباهه إلى ما يكتسب قلوب الرعية، فأعاد الأمن إلى البلاد بمقاصة المعتدين، وأظهر لياقته لما عهد إليه فشرع في تنظيم الأحكام، وإنصاف المظلومين، وبذل العطاء فأحبه الناس.

أما الشيخ المحمودي فإنه قام بهذه الثورة خدمة لأغراضه، وليس للخليفة فرأى أنه أصبح آلة بيده فأضمر له شرا، ونوى على خلعه، لكنه استخدم الحزم والتأني واغتنام الفرص خوفا من الوقوع في شر أعماله، فعمل على توطيد العلاقات الودية بينه وبين أمراء المماليك، والتقرب منهم، وإقناعهم تحت طي البساطة والإخلاص أن في هذا الخليفة شيئا من ضعف الرأي والخمول فضلا عن كونه غريبا عنهم. فاستمال قلوبهم، واشتد أزره بهم، فأخذ يشكو من منصبه فولاه الخليفة نيابة الملك في 8 ربيع أول من تلك السنة، فصار أقدر على تنفيذ مآربه، وما زال ساعيا إلى مطمح أنظاره حتى كثرت أحزابه، وأصبحت أزمة البلاد في يده، فأجبر الخليفة على مشاركته في السلطة فأجاب، ولقبه بالملك المؤيد، ثم خطا خطوة أخرى فخلع الخليفة، وحبسه في بعض غرف القصر. (7) سلطنة الشيخ المحمودي (من سنة 815-824ه/1412-1421م)

فلم يستطع المستعين بالله مقاومة، لكنه كتب سرا إلى نوروز أحد أصدقائه القدماء، وكان قد ولاه سوريا يستنجده، فقدم نوروز مسرعا إلى القاهرة في جيش، فرأى أنه يقصر عن مناوأة المحمودي فأوعز إلى الخليفة أن يستخدم الوسائط الدينية كما فعل المرة الماضية، وكان الشيخ المحمودي في دمشق، فأصدر منشورا بخلعه، فاغتنم المشايخ والأمراء فرصة غيابه وجاهروا بخلعه، وبلغ ذلك الشيخ المحمودي فأسرع إلى القاهرة فخافه المشايخ والعلماء وأنكروا خلعه، وقالوا: إن الخليفة أولى بذلك الخلع، وألحوا على معاقبته؛ لأنه تمرد على سلطانهم فخلعوه من السلطنة والخلافة وسجنوه، ثم نفوه إلى الإسكندرية سنة 818ه وأقاموا أخاه داود خليفة مكانه، ولقبوه بالإمام المعتضد بالله.

فعاد الشيخ المحمودي إلى كرسي السلطنة، وأخذ يسعى في اكتساب ثقة الأهلين، فاتبع خطة الخليفة المستعين فأنصف ورفق فأمنت الرعية وسعدت البلد، وما زالت الحال كذلك ثماني سنوات وخمسة أشهر، وفي 9 محرم سنة 824ه توفي السلطان الشيخ المحمودي، وكان محبا للعلماء يكرم مثواهم، وله بنايات جميلة من جملتها الجامع المسمى جامع المؤيد بالقرب من باب زويلة، وقد جدد بناؤه، وهو كثير النقوش، ولم يبق من البناء القديم إلا إيوان القبلة، وبعد وفاته عادت الأمور إلى مجراها الأول من القلاقل، فتولى السلطنة بعده ثلاثة سلاطين لم يحكموا إلا مدة قصيرة. (8) سلطنة أحمد بن المحمودي ثم سيف الدين ططر ثم محمد بن ططر (من سنة 824-825ه/1421-1422م)

أولهم: ولده شهاب الدين أحمد الملقب بالملك المظفر، وفي شوال من تلك السنة تخلى عن الملك لوصيه وحميه سيف الدين ططر الملقب بالملك الظاهر، وهذا توفي في ذي الحجة من السنة المذكورة، فبويع ابنه ناصر الدين محمد، ولقب بالملك الصالح، وبعد أربعة أشهر خلعه وصيه سيف الدين برس باي فقضى باقي حياته في الشقاء. (9) سلطنة الملك الأشرف برس باي (من سنة 825-841ه/1422-1437م)

وبعد خلعه اختلف الأمراء في من يخلفه فتنحى برس باي حتى أهلك الأحزاب بعضها بعضا، فالتقم السلطنة غنيمة باردة. فبويع في 8 ربيع آخر سنة 825ه ولقب بالملك الأشرف، وقد كان برس باي مملوكا أحبه سيده الملك الظاهر ططر فأعتقه، ورقاه حتى جعله وصيا على ابنه، وفي أول حكمه فاض النيل حتى غمر الأرض بالخيرات فكثرت الحبوب وشبع الفقراء، وكان برس باي كالشيخ المحمودي حكمة ورفقا، وقد رمم عدة مدن، وشاد في القاهرة عدة بنايات منها الجامع المعروف بجامع الأشرفية تجاه سوق العطارين ابتدأ في بنائه سنة 826ه.

وقد تمكن برس باي لحسن سياسته وحزمه من استبقاء السلطة بيده مدة طويلة، والبلاد في سكينة إلا في سنة 827ه إذ ثار الأمير بنيق النجاشي نائبه في دمشق. غير أن تلك الثورة ما لبثت أن ظهرت حتى اضمحلت، وعوقب الثائرون بمساعدة أمير زنجي يقال له: عبد الرحمن، فولاه برس باي على سوريا بدلا من النجاشي، وكانت هذه الثورة أول القلاقل وآخرها في أيامه.

أما محارباته مع الدول الأخرى فجديرة بالاعتبار؛ لأنه جرد على الإفرنج عدة تجريدات، وتغلب عليهم فأخضع جزيرة قبرص، وحمل الملك جان لوسينيان الثالث على الاعتراف بسلطانه وأداء الجزية، وعقد مع ملوك الصليبيين وسلطان آل عثمان إذ ذاك مراد بن محمد معاهدات سلمية تدل على عظيم شوكته. فكانت مصر في أيامه سعيدة داخلا وخارجا، وقال بعض المؤرخين: إن الملك الأشرف برس باي أجدر الملوك الشراكسة بالمدح؛ لأنه كان أعلاهم همة، وأشدهم عزيمة، وأكثرهم تدربا في الأحكام، ومما يمتدح عليه أنه أبدل جميع التذللات التي كانت تقدم للملوك قبله بتقبيل اليد فقط.

لكنه أصيب في أواخر أيامه بمرض في عقله كما أصيب الحاكم بأمر الله فأصدر أوامر غريبة، منها: أنه أمر بنفي الكلاب إلى بر الجيزة. فصار كل من أمسك كلبا يأخذ نصف فضة من صيرفي باب السلسلة، فأمسك العياق من الكلاب نحو ألف كلب فنفوها إلى بر الجيزة. ثم إنه أمر بأن لا تخرج امرأة من بيتها إلا بإذن من الحكومة، فكانت الغاسلة إذا أرادت التوجه إلى ميتة تأخذ ورقة من المحتسب تجعلها في رأسها وتمشي في السوق. ثم إنه نادى في القاهرة بأن لا يلبس الفلاحون زمطا مطلقا فامتثل الناس أمره. ثم إنه رسم بتوسيط الحكماء فوسط الرئيس خضر، ووسط الرئيس شمس الدين بن العفيف، واستمر على أمثال ذلك إلى أن مات بعد أن حكم 17 سنة و8 أشهر و6 أيام. قضى يوم السبت 13 ذي الحجة سنة 841ه وعمره ستون سنة. (10) سلطنة يوسف بن برس باي (من سنة 841-842ه/1437-1438م)

صفحه نامشخص