تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
ژانرها
ومما أنشأه في أيامه من العمائر: جسر الشريعة بالغورية، وجدد بناء خزائن السلاح بثغر الإسكندرية، وجدد عمارة زريبة البرزخ بثغر دمياط بعد أن ظهر منها عظام الشهداء، وبنى سورا على مدينة دمنهور، وعمر قناة العروب بالقدس، وجدد عمارة المجراة التي تجر الماء من بحر النيل إلى قلعة الجبل. (3) سلطنة فرج بن برقوق (أولا) (من سنة 801-808ه/1398-1405م)
فلما توفي السلطان برقوق بايعوا بكر أبنائه فرج زين الدين الملقب بأبي السعادات، وسنه ست وعشرون سنة، ولقبوه بالملك الناصر، وفي أول حكمه ثار الأتابك أيتمش وتنم الفرساني حاكم سوريا، فتواطأ هذا الأخير مع يلبغا السالمي حاكم حلب فاستولى على مضايق فلسطين على نية الاستيلاء على سائر مدنها. إلا أن حدسه لم يتحقق فأخذت منه المضايق، وضويق عليه حتى قيد أسيرا، وقتل هو وكل دعاته.
ولم تكد تنجو مصر من هذه النازلة حتى داهمتها نازلة أشد وطأة وأصعب مراسا. فإن تيمور لنك بعد أن أتم حروبه في الهند وبغداد وسيواس وملاطية سنة 803ه أمعن في سوريا فاستولى على حلب وحمص بعد حروب شديدة، وفر فرج إلى مصر فجمع إليه رجاله، وتأهب للدفاع، فبلغه أن عدوه شغل عنه بمحاربة بيازيد في الأناضول فسكن روعه، ثم جاءته الأنباء بفوز تيمور، وانكسار بيازيد وأسره سنة 804ه في وقعة أنقرة فخارت قواه، ويئس من الفرج. فبعث إليه تيمور لنك فيلا هنديا، وطلب إليه أن يبايعه ويبعث إليه بأحمد وقرا يوسف حالا. فلم يسع فرج إلا الإذعان لقضاء الله. فأجابه إلى طلبه صاغرا وأهداه زرافة حبشية، وبايعه واعترف بسيادة التتر على مصر، وأنه قائم بأحكامها بالنيابة عنهم. أما أحمد وقرا يوسف فقال: إنهما احتميا به، وحقوق الضيافة تمنعه من تسليمهما فيكون هو الجاني عليهما، لكنه وعد أن يسجنهما عنده فاستقرت سيادة تيمور على مصر.
وفي سنة 806ه شرقت مصر بقصور النيل فدهي أهل الصعيد من ذلك بما لا يوصف حتى إنه مات في مدينة قوص وحدها 17 ألف إنسان، ومات في مدينة أسيوط 11 ألفا، ونحو ذلك في مدن أخرى، وفي 17 شعبان من السنة التالية أدرك تيمور القضاء المبرم في أوترار، وتخاصم أبناؤه على الملك، فتخلصت مصر من سلطة التتر، وذهب الحذر عن أحمد وقرا يوسف فأفرج عنهما فسارا إلى بلادهما.
ثم أخذ فرج بالتأهب لاسترجاع سوريا بنفسه، فلم يكد يتم الاستعداد حتى ضويق عليه في قصره؛ لأن المصريين لما رأوا إذعانه لتيمور، وتسليمه بسيادته حسبوا ذلك خيانة وضعفا، وأيقنوا أنه لا يصلح لإدارة الأعمال فأقروا على خلعه، وتولية أخيه عز الدين عبد العزيز، وكان أعظم في عيونهم منه. فاجتمعوا تحت لوائه، وساروا لمحاصرة أخيه في قصره في 16 ربيع أول سنة 808ه ومازلوا يهددونه حتى تنازل حفظا لحياته، وقد حكم ست سنوات وخمسة أشهر و11 يوما.
وكانت أيامه كثيرة الفتن والشرور؛ فقد طرق الشام فيها تيمور لنك - كما رأيت - فأخربها وأحرقها، وعمها بالقتل والنهب والأسر حتى فقد منها جميع أنواع الخيرات، وتفرق أهلها في جميع أقطار الأرض، ثم دهمها بعد رحيله عنها جراد لم يترك بها خضراء؛ فاشتد بها الغلاء على من تراجع إليها من أهلها، وشنع موتهم، واستمرت بها مع ذلك الفتن، وقصر مد النيل بمصر حتى شرقت الأرض إلا قليلا، وعظم الغلاء والفناء، فباع أهل الصعيد أولادهم من الجوع وصاروا أرقاء مملوكين، وشمل الخراب الشنيع عامة أرض مصر وبلاد الشام من مصب النيل عند الجنادل إلى حيث مجرى الفرات. (4) سلطنة عبد العزيز بن برقوق (من سنة 808-809ه/1405-1405م)
ثم خرج من قصره واختفى في مكان غير معلوم، فظن الناس أنه قتل من الضوضاء والازدحام فبايعوا أخاه، ولقبوه بالملك المنصور، ولم يمض شهران على توليته حتى تحققوا خيبة ظنهم به فملوا من طاعته، ومالوا بكليتهم إلى سلفه فاتصل ذلك بفرج، فخرج من خبائه فتقدم إليه الناس ورجال الدولة أن يعود إلى منصبه، فعاد في جمادى الآخرة، ونفى أخاه عز الدين إلى الإسكندرية فعاش فيها أشهرا قليلة، وتوفي في 7 ربيع آخر سنة 809ه. (5) سلطنة فرج بن برقوق (ثانية) (من سنة 809-815ه/1405-1412م)
فلما عاد فرج إلى منصبه وجه انتباهه خصوصا إلى استرجاع ثقة الأهلين فيه فغزا دمشق وافتتحها، ثم فتح غيرها من مدن سوريا، واهتم براحة الرعية فخيم الأمن وسكنت القلوب. فإذا كانت سنة 813ه ظهرت في القاهرة ثورة دينية ذهبت بحياته، وذلك أن أحد أمراء المماليك المدعو أبا نصر الملقب بالشيخ المحمودي الظاهري نسبة إلى سيده الأمير محمود أحد أمراء الملك الظاهر برقوق، وكان الملك الظاهر قد أعتقه، ووعده بالمناصب الحربية، فطمحت أبصاره إلى السلطنة، فاستخدم لهذه الغاية الخليفة المستعين بالله، وكان قد ولي الخلافة بعد الخليفة المتوكل على الله منذ خمس سنوات، وكان الخلفاء العباسيون منذ استئصال شوكتهم من بغداد وانتقالهم إلى القاهرة لا يخرجون في اعتبار الأهالي عن حد السلطة الدينية، وكانوا يلقبونهم بالأئمة. فأسر الشيخ المحمودي إلى المستعين أنه يقدر أن يعيد السلطة السياسية كما كانت لأسلافه، وقال له: «إن الناس ميالون إلى ذلك بكليتهم، وهم مستعدون لمبايعتكم، وتنفيذ أوامركم.» فتنبه في قلب الخليفة حب السيادة فوافق الشيخ المحمودي، وكان فرج إذ ذاك في دمشق فاتفقا على استقدامه فأنفذا إليه أولا أن يتنازل عن الملك، فأجاب أن لا جواب عنده غير السيف، وأخذ في إعداد مهمات الحرب، ومثل ذلك فعل الخليفة والشيخ المحمودي، وتقدم الجيشان لكنهما لم يتلاحما حتى أصدر أمرا بتوقيعه فجاء بما لا يجيء به السيف ، ونصه: «من الإمام أبي الفضل المستعين بالله أمير المؤمنين إلى أهل مصر. اعلموا أننا قد خلعنا فرج بن برقوق عن سلطنة مصر والشام؛ لأن سيدهما الحقيقي إنما هو الخليفة خليفة الرسول
صلى الله عليه وسلم
فويل لمن خالفه.»
صفحه نامشخص