تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
ژانرها
وفي السنة الرابعة من خلافته، وهي سنة 548ه حاصر الصليبيون عسقلان، وكانت من أعمال الفاطميين، ونظرا لوقوعها على حدود مملكتهم كانت عرضة لهجمات الصليبيين، وكان الوزراء في أيام الخلفاء السالفين يعززونها بمهمات الدفاع، وفي أوائل خلافة الظافر توفي وزيره، ووقع الخلاف بين ذوي شوراه فشغلوا بذلك عن صيانة البلاد، فأهملوا أمر عسقلان، فاغتنم الصليبيون تلك الفرصة، وحاصروا المدينة، وضيقوا عليها حتى سلمت. فجاء خبر سقوطها إلى القاهرة مع خبر آخر أشد وطأة منه وهو أن العمارة الصقلية نزلت على سواحل مصر، وأحرقت مدينة تنيس في بحيرة المنزلة، ونهبت الفرما لكنها لم تتقدم أكثر من ذلك، فأخذت ما أمكنها حمله من الغنائم، وعادت من حيث أتت.
ومن سنة 549ه انتهت حياة الخليفة الظافر وحكمه معا، وسبب موته أنه كان منهمكا بالشهوات الوحشية مشتغلا عن مهام الدولة فشق ذلك على وزيره العباس؛ فأوعز إلى ابنه نصر أن يقتله، وينجي البلاد من شره، ويتخلص مما كان يتقول الناس في عرضهما من معاشرته إياه، فاستدعاه إلى دار أبيه سرا، ولم يعلم به أحد، وتلك الدار هي المدرسة الحنفية التي عرفت بالسيوفية فقتله بها وأخفى قتله في منتصف محرم سنة 549ه، فأتى نصر إلى أبيه العباس وأخبره بذلك من ليلته، ولما كان الصباح أقبل العباس إلى القصر على جاري عادته في الخدمة، وأظهر عدم الاطلاع على قضيته، وطلب الاجتماع به، ولم يكن أهل القصر قد علموا بقتله بعد؛ لأنه خرج من عندهم خفية، وما علم أحد بخروجه، فدخل الخدم إلى موضعه ليستأذنوا للعباس فلم يجدوه فدخلوا إلى قاعة الحرم فقيل له: إنه لم يبت هنا، فتطلبوه في جميع مظانه في القصر فلم يقعوا له على خبر فتحققوا قتله. فأخرج العباس أخوي الظافر - وهما جبريل ويوسف - وقال لهما: «أنتما قتلتما إمامنا، وما نعرف حاله إلا منكما.» فأصرا على الإنكار، وكانا صادقين في ذلك، فقتلهما حالا لينفي التهمة عن نفسه وعن ابنه.
وترى في شكل
9-12
صورة نقود الظافر بأمر الله ضربت في الإسكندرية سنة 545ه.
شكل 9-12: نقود الظافر بأمر الله ضربت في الإسكندرية. (10) خلافة الفائز بن الظافر (من 549-556ه/1154-1160م)
فاستدعى عباس الفائز بن الظافر، وتقدير عمره خمس سنوات، وقيل سنتان فحمله على كتفه ووقف في صحن الدار، وأمر أن يدخل الأمراء فدخلوا، فقال لهم: «هذا ولد مولاكم، وقتل عماه أباه، وقد قتلتهما به كما ترون، والواجب إخلاص الطاعة لهذا الطفل.» فقالوا بأجمعهم: «سمعنا وأطعنا!» وصاحوا صيحة واحدة اضطرب منها الطفل، وبال على كتف عباس، وسموه الفائز، وسيروه إلى أمه، وقد اختل من تلك الصيحة فصار يصرع في كل وقت ويختلج. (10-1) الملك الصالح
فأخذ عباس من ذلك الحين يدير الأمور، وانفرد بالتصرف، ولم يبق على يده يد، وأما أهل القصر فإنهم اطلعوا على باطن الأمر، وأخذوا في إعمال الحيلة في قتل عباس وابنه فكاتبوا بذلك الصالح طلائع بن رزيك الأرمني، وهو أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين؛ كان قد سار إلى زيارة مشهد الإمام علي بن أبي طالب بأرض النجف من العراق في جماعة من الفقراء، وكان من الشيعة الإمامية فتنبأ له الإمام أنه سيتولى مصر بناء على رؤيا رآها في منامه، فسار من ساعته إلى مصر، وصار يترقى في الخدم حتى ولي منية خصيب (المنيا).
فلما صار أهل القصر إلى ما صاروا إليه كتبوا إلى الطلائع، وسألوه الانتصار لهم ولمولاهم، والخروج على عباس، وقطعوا شعورهم، وسيروها في طي الكتاب، وسودوا الكتاب، فلما وقف الصالح عليه أطلع من حوله من الأجناد، وتحدث معهم في المعنى فأجابوه إلى الخروج، واستمال جمعا من العرب، وساروا إلى القاهرة، وقد لبسوا السواد، فلما قاربوها خرج إليهم من بها من الأمراء والأجناد والسودان، وتركوا عباسا وحده، فخرج عباس في ساعته من القاهرة، وخرج معه ولده نصر، ومعهما شيء من المال، وجماعة يسيرة من أتباعهم، وقصدوا طريق الشام على أيلة في 14 ربيع أول سنة 549ه.
أما الصالح بن رزيك فإنه دخل القاهرة بدون قتال، وما قدم شيئا على النزول بدار عباس المتقدم ذكره، واستحضر الخادم الصغير الذي كان مع الظافر ساعة قتله، وسأله عن الموضع الذي دفن فيه فعرفه به، وقلع البلاطة التي كانت عليه، وأخرج الظافر ومن معه من المقتولين فحملوا وقطعت لهم الشعور، وانتشر البكاء والنواح في البلد، ومشى الصالح والخلق قدام الجنازة إلى موضع المدفن في تربة الفاطميين.
صفحه نامشخص