تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
ژانرها
9-3
صورة نفوذ المعز مضروبة بعد دخوله القاهرة بسنة واحدة.
شكل 9-3: نقود المعز لدين الله. (2) خلافة العزيز بن المعز (من 365-386ه/975-996م)
فلما توفي المعز بويع ابنه نزار بن معد أبو منصور الملقب بالعزيز بالله، ويدعوه بعضهم العزيز بدين الله، ومولده المهدية في إفريقية، واتسعت المملكة في أيامه حتى اتصلت بمكة، ولم يكن سن العزيز عند مبايعته إلا 21 سنة فترك أزمة الجند لجوهر، وفوض ليعقوب بن كاس النظر في سائر الأمور، وجعله وزيرا له في رمضان سنة 368ه، وفي محرم سنة 373ه أمر العزيز أن تكون جميع المكاتبات الرسمية باسم يعقوب، وأن تمضي الأوامر باسمه، وأهداه كثيرا من الغلمان والأموال. فرتب يعقوب الدواوين؛ فجعل ديوانا للجيش، وآخر للأموال، وآخر للخراج، وآخر للسجلات والإنشاء، وآخر للمستغلات، وجمع في كل منها كتابا ورؤساء كتاب، وكان يجلس في مجلسه الأدباء والشعراء والفقهاء وأرباب الصنائع، وخصص لكل منهم الأرزاق، وألف كتبا في الفقه والقراءات، وكان يجلس في كل جمعة يقرأ مصنفاته على الناس بنفسه، وكان له مجلس في داره للنظر في رقاع المرافعين والمتظلمين، ويوقع بيده في الرقاع، ويخاطب الخصوم بنفسه، وتوفي الوزير يعقوب في 5 ذي الحجة سنة 380ه وهو أول وزراء الدولة الفاطمية بمصر.
وتزوج العزيز بالله امرأة مسيحية من الطائفة الملكية، وكان يحبها كثيرا فاكتسبت نفوذا عليه فكان يراعي أبناء طائفتها، ويرفق بهم إكراما لها حتى اتخذ طبيبه الخاص منهم، واسمه منصور بن مقشر، وكان يحترمه فاعتل الطبيب يوما عن الركوب فلما تماثل كتب إليه الخليفة العزيز بخط يده: «بسم الله الرحمن الرحيم. على طبيبنا - سلمه الله - سلام الله الطيب وأتم النعمة عليه، وصلت إلينا البشارة بما وهبه الله من عافية الطبيب وبرئه، والله العظيم لقد عدل عندنا ما رزقناه نحن من الصحة في جسمنا. أقالك الله العثرة، وأعادك إلى أفضل ما عودك من صحة الجسم، وطيبة النفس، وخفض العيش بحوله وقوته.» (2-1) هفتكين الشرابي
وقدم إلى الشام في أيام العزيز هفتكين الشرابي من بغداد لغزو دمشق، وهفتكين هذا يقال له: الفتكين أبو منصور التركي الشرابي غلام معز الدولة أحمد بن بويه رقي الخدم حتى غلب في بغداد على عز الدولة مختار بن معز الدولة، وكان فيه شجاعة وثبات في الحرب. فلما سارت الأتراك من بغداد لحرب الديلم جرى بينهم قتال عظيم اشتهر فيه هفتكين. إلا أن أصحابه انهزموا عنه، وصار في طائفة قليلة فسار بمن معه من الأتراك وهم نحو الأربعمائة إلى أن قرب من حوشبة إحدى قرى الشام، وقد وقع في قلوب العربان منه مهابة، وما زال ينتقل من محل إلى آخر، ويجمع إليه الأحزاب ومنهم القرامطة حتى غزا القسم الأعظم من سوريا إلى دمشق، ونزل على السواحل.
فعلم بذلك العزيز بالله فأرسل إليه جيشا تحت قيادة جوهر فبلغ هفتكين ذلك وهو في عكا. أما القرامطة فكانوا في الرملة، ولما بلغهم قدوم جوهر وجيوش العزيز فروا عنها فنزلها جوهر، وسار من القرامطة إلى الإحساء التي هي بلادهم جماعة وتأخر عدة. أما هفتكين فسار من عكا إلى طبرية، وقد علم بمسير القرامطة وتأخر بعضهم فاجتمع في طبرية، واستعد للقاء جوهر، وجمع الأقوات من بلاد حوران والثنية وأدخلها إلى دمشق. ثم سار إليها وتحصن فيها فعلم جوهر بذلك فسار إلى دمشق، ونزل على ظاهرها في 22 ذي القعدة وبنى على معسكره سورا، وحفر خندقا عظيما، وجعل له أبوابا.
فتجمع هفتكين برجاله لقتال جوهر، وطال الأخذ والرد إلى 11 ربيع أول سنة 366ه، وعند ذلك اختل أمر هفتكين وهم بالفرار. ثم إنه استظهر ووردت الأخبار بقدوم أحمد القرمطي إلى دمشق، فطلب جوهر الصلح على أن يرحل عن دمشق من غير أن يتبعه أحد، وذلك أنه رأى أمواله قد قلت، وهلك كثير ممن كان في عسكره حتى صار أكثر جنده رجالة، وأعوزهم العلف، وخشي فوق ذلك قدوم القرامطة. فأجابه هفتكين وقد عظم فرحه، فرحل جوهر في 3 جمادى الأولى وجد في المسير إلى أن بلغ طبرية، وكان قد قرب القرامطة فتعقبوه إليها فسار منها إلى الرملة فبعث القرامطة بسرية كان لها مع جوهر وقعة قتل فيها جماعة من العرب. ثم طال الكفاح 17 شهرا ففر جوهر إلى عسقلان فغنم هفتكين شيئا كثيرا. ثم سار فحاصر عسقلان فبلغ ذلك العزيز فاستعد للمسير ليمد جوهرا.
أما جوهر فلما طال حصاره راسل هفتكين يطلب إليه تقرير الصلح على مال يحمله إليه، وأن يخرج من تحت سيفه، فعلق هفتكين سيفه على باب عسقلان وخرج جوهر ومن معه من تحته، وسار إلى القاهرة فوجدوا العزيز قد برز يريد المسير. فساروا معه وما زالوا حتى نزلوا الرملة، وكان هفتكين في طبرية فسار للقاء العزيز ومعه عدة من رجاله فالتقى الجيشان. فلم يكن غير ساعة حتى انهزم جيش هفتكين، وفاز العزيز، فطلبوا هفتكين فإذا هو قد فر على فرس بمفرده فقبض عليه أحد العرب، وجاء به إلى العزيز وعمامته في عنقه فأمر به فطيف به على العسكر على جمل فأخذ العسكر يلطمونه ويهزون لحيته.
ثم سار العزيز بهفتكين والأسرى إلى القاهرة، فاستخدمه ومن معه، وأحسن إليه غاية الإحسان، وأنزله في دار وواصله بالعطاء والخلع حتى قال: لقد احتشمت من ركوبي مع مولانا العزيز بالله، وتطوفي إليه بما غمرني من فضله وإحسانه، فلما بلغ ذلك العزيز قال لعمه حيدرة: «يا عم والله إني أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة، وأرى عليهم الذهب والفضة والجوهر، ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار، وأن يكون ذلك كله من عندي.» وما زال هفتكين يرتقي في ظل العزيز إلى أن توفي سنة 372ه فظن العزيز أن يعقوب بن كلس سمه (وكان لا يزال حيا) لأنه كان يلاحظ بينهما منافسة في التقرب من الخليفة فاعتقله مدة ثم أطلقه. (2-2) مناقب العزيز بالله
صفحه نامشخص