وقد تتعطل لغة الكلام أصلا عند الإنسان، وتحل مكانها لغة الإشارة؛ لغة العين. تسأل المريض: كيف حالك؟ فيقطب من وجهه ويمد في شفتيه، فتعلم أنه سيئ الحال. وينظر الرجل إلى المرأة نظرة الطلب، فترد عليه بنظرة هي الرفض، واللسان لم يتحرك. والمجرمون في بعض الأمم الحية لهم لغات كلها إشارية عينية، تعددت ألفاظها وكثرت معانيها حتى صارت ترقم وتدون. ولبعض قبائل الهند الغربية لغات بالإشارة أكثر اعتمادهم عليها. والجيوش تتفاهم من بعيد بالرايات يحركونها حركات مختلفات، وبالمرايا يعكسون عليها ضوء الشمس أشكالا. وكل هذه لغات عينية مدروسة، ولغة الخرس لغة أشكال فهي لغة عين. واللغة الهيروغليفية لغة أشكال فهي لغة عين. بل كل ما كتب في الكتب وحبر في الأوراق، إنما هو لغة عين برغم اتصاله الوثيق باللغة المرقومة.
ولا يظنن أحد أن لغة العين هي دائما دون لغة الأذن قيمة أو أقل منها في الأداء، فالصورة الزيتية البديعة يرسمها لك الرسام فتحمل إليك من المعاني ما لا تحمله الكلمات. والنظرة الحبيبة تبعث بها إليك النفس الحبيبة فتعجز عن كامل وصفها عباقرة الشعراء. والنكتة على المسرح تسمعها من المذياع فلا تقع من نفسك موقعها وأنت حاضر المسرح. وكثيرا ما تسمع الضحكات العالية تنطلق في الحاضرين فلا تفهم لها من على الأثير معنى؛ لأنها نكتة إشارة انتقلت إليهم بواسطة العين دونك.
هذا في الإنسان. أما الحيوان فلا شك أن للحيوانات لغة كالإنسان هي لغة أذنية وعينية معا، ولكنها لغة بسيطة بمقدار بساطة تركيب هذه الحيوانات، أو على مقدار بساطة حاجات هذه الحيوانات في الوجود، أو على مقدار ما تجنح إليه هذه الحيوانات من اجتماع. فمن الحيوان ما يعيش عيشة انفراد وانعزال لا يعرف السرب والثول والقطيع، فهذا لا لغة له، أو لا تكاد تكون له لغة، ومنها ما يعيش أسرابا أثوالا قطعانا، فهذا له لغة؛ لغة أصوات ولغة حركات، وكلما اتخذت هذه الأسراب والأثوال شكل المجتمعات، وكان فيها من التعاون نصيب وافر كالذي يكون في المجتمعات، زادت لغة أفرادها تصنفا واتساعا. ومن هذه الحيوانات النحل والنمل والزنابير. (1-8) الغناء واللغة
يبدو أن الغناء من أول ما عرفه الإنسان قبل عصر التاريخ. وأنه كان لغته الأولى، فقد كان ذلك الإنسان يغني أكثر مما يتكلم، وقد حفظت العصور القديمة الأولى الأغاني التي تضمنت تاريخ الشعوب القديمة، بل إن هذا لا يزال شأن القبائل الهمجية إلى اليوم. وإن الأغنية لتماثل مواء القط ونباح الكلب وتغريد الطير. (1-9) ألفاظ الحيوان في اللغة
للحمام هديل وهدير، وله كذلك سجع ونوح وحنين، ويقال قاقت الدجاجة قوقأة وزقا الديك زقوا، أما صوت الغراب فنعيق ونعيب، وصوت العصفور زرزرة، وصوت الصقر صفير، وصوت النسر نقيض، فيقال انقض النسر أو البازي. (1-10) لغات العالم
تقسم لغات العالم قسمين عظيمين: راقية، وغير راقية. وهذه الأخيرة تشمل أدنى اللغات وفيها اللغات الزنجية، وهي التي يتفاهم بها سكان جنوب أفريقيا، والأمريكية التي كان يتفاهم بها هنود أمريكا، واللغات الصينية وغيرها من اللغات المؤلفة من مقطع واحد ولا فرق فيها بين الاسم والفعل والحرف.
أما الآن فتقسم اللغة ثلاث طوائف كبيرة وهي: السامية، والآرية، والطورانية. أما الطورانية: فتشتمل على اللغات المنغولية والتنقاسية والأوغرانية، وتسمى أيضا لغات غير متصرفة؛ أي إن ألفاظها غير قابلة للتصريف، وإنما يحصل فيها الاشتقاق بإضافة زوائد على أصل مادة الفعل، وأرقى لغات هذه الطائفة اللغة التركية. أما الطائفة الآرية فتشتمل على لغات أوروبا والهند وفارس وكردستان، وتسمى أيضا اللغات اليافثية؛ لأن أغلب المتكلمين بها من نسل يافث، وهي تقسم قسمين عظيمين: جنوبية، وشمالية. فالجنوبية لغات جنوب آسيا، وهي السنسكريتية، وفروعها: الهندية والفارسية والأفغانية والكردية والبخارية والأرمنية والأوستية.
والشمالية: تشمل لغات أوروبا، وتقسم إلى خمسة أقسام:
جزائر بريطانيا أو إنجلترا. (2) الإيطالية وفيها اللاتينية وفروعها، وهي لغات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال. (3) اليونانية، ومنها اليوناني القديم والحديث. (4) الوندية، ومنها لغات روسيا وبلغاريا وبوهيميا. (5) التيوتونية، ومنها لغات إنجلترا وچرمانيا وهولاندا والدنمرك وأيسلاندا. (1-11) قاموس للغة الحيوان
حاول «چورچ شويدنزكي» الألماني الذي وضع منذ سنوات كتاب «هل تستطيع محادثة الشمبانزي؟» أن يبين فيه أن لغة الإنسان قد نشأت وتطورت من أصوات الحيوان، مستدلا على ذلك بأننا نعبر عن بعض الأشياء بالأصوات التي تعبر بها بعض الحيوانات العليا. فالقرد مثلا، حين يغضب أو يثور، يصدر هذه الألفاظ «تس تس تس»، وهي الأصوات ذاتها التي يصدرها الإنسان بلسانه تعبيرا عن غضبه أو دهشته أو امتعاضه.
صفحه نامشخص