أما في البحر فلم تبلغ كائناته هذا النمو وقد قنعت بالتنوع، وقد انقرضت كلها ولم يبق من نظائرها سوى النوتيلوس في أمواه المنطقة الحارة، والسمك الذي خف قشره وزاد نعومة.
ومن الزواحف فصائل أعدت نفسها للهجرة والطيران هاربة من نظائرها المطاردة لها لاجئة إلى التلال والسواحل؛ أي إلى أمكنة أشد برودة من الغابات، متخذة ما يشبه الريش والأجنحة، متعلمة كيف تحتضن بيضها إلى أن يفقس بعد أن كانت - كالزواحف - لا تحتفظ ببيضها، تاركة إياه للشمس والطقس، مقتاة بالسمك الصغير، وكانت سيقانها الأمامية مقاذيف كطائر العلموت أو البطريق، وكالطائر الكيوي النيوزيلندي ذي الريش القليل جدا، الذي ظهر في الطيور وتبعه ظهور الأجنحة. وقد عرفنا نوعا مجنحا من الطيور ذا ذيل وأسنان من ذيول الزواحف وأسنانها. (1) الأحافير الحيوانية
عثر الدكتور لوج كوخ الأرضي الدنمركي في جرينلند على أحافير أسماك ستيجوسيفال التي تعيش في البر والبحر، وهو جد الضفادع ويوجد في بحار أفريقيا وأستراليا.
وقد كشفت في صخور قاع المضيق الكبير في ولاية آريزونا الأمريكية، أحافير السمكة الهلامية - المسماة فانوس البحر - التي تعيش في المحيط ويتألف جسمها من كتلة هلامية شفافة، إذا عصرت لم يبق منها شيء، ويرجع تاريخ هذه الصخور إلى مليون سنة على الأقل. أما السمكة فترجع إلى ألف مليون سنة.
وبين أحافير الأسماك المتحجرة في متحف جامعة كاليفورنيا الأمريكية، أسماك متحجرة عمرها لا يقل عن 120 مليون سنة، عثر عليها في بعض السواحل الأمريكية في طبقة من الأرض ترجع إلى عصر الطباشير «الكريستاس»، الذي يقدر عهده بين 55 مليون سنة و120 مليونا، وقد انقرضت خلاله أنواع من الحيوان والحشرات والزواحف الكبيرة كالديناصور وفي متحف جامعة هارفرد هيكل عظمي لحيوان الديناصور المنقرض وطوله 18 قدما، ووجد على مقربة من ورتميورغ الألمانية، وكان يأكل اللحوم منذ 160 مليون سنة. أما البلوشتيريوم (وحش بلوخستان)، فهو من نوع وحيد القرن انقرض مند 25 مليون سنة وكان وزنه عشرة أطنان وطوله 10 أمتار وارتفاعه 6. ومن الحيوان المنقرض «الهرمالدوتيم» الذي كان يعيش في أحد العصور الچيولوچية في أمريكا الجنوبية، وهو يشبه الثور بعض الشبه ولكنه قبيح الشكل.
الفصل الخامس
عصر اللبونات
كانت اللبونات؛ أي الحيوانات ذات الثدي، في عصر الزواحف الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق، الفصل الرابع، صغيرة جدا لا تلفت النظر، وسابقة في الظهور على الفصائل الأولى للطيور، وقد تكون المنافسة بين نظائرها قد دفعتها لإعداد أنفسها لمواجهة البرودة والاستقلال بالاستدفاء، فظهر فيها الشعر عوضا عن ريش الطير، وعاشت أجنتها داخل أجسامها إلى أن اكتمل نحوها عوضا عن استوائها داخل البيضة. وقد أصبح أكثرها الآن لبونا مكتملا؛ أي بأن تلد أبناءها حية حال خروجها من بطون أمهاتها. هذا ولأكثر اللبونات ثدي أو أكثر ترضع منه صغيراتها. وقد بقي اثنتان من اللبونات تفقسان بيضهما وترضعان صغيراتهما بأفراز من تحت جلودهما، وهما البلاتيياس والإيخدية الشوكية، التي تضع بيضا جلديا ثم تودعه كيسا تحت بطنها محتفظة بالدفء إلى أن تنفقس.
بقي عصر اللبونات - كما هو المظنون - 80 مليون سنة، متدهورا في مدته الأخيرة، فاستحال على أنواع حيوانه أن يعيش بعدئذ إلا ما وسعهما أن تعد نفسها للتقلبات الجمدية (الثلجية). •••
كان زمن الكاينوزويك الحيواني الأخير هو عهد النشاط البركاني والتقبب، فظهرت جبال الألب والهيملايا، ورسمت المعالم الأولية للقارات والمحيطات بما يشبه ما صارت إليه الآن. وقد انقضى منذ بدأ ذلك الزمن إلى الآن ما بين ثمانين مليون سنة وأربعين مليونا. وكان طقس الدنيا عبوسا، ثم أصبح ساخنا إلى الدرجة المعتدلة، غير أنه قد أعقب هذا دورات باردة؛ العصور الجليدية التي يبدو أننا بدأنا نخرج منها. وقصارى القول أننا لا ندري في الواقع هل نحن مقدمون على عصر حار أم على عصر جليدي آخر؛ إذ ليس في مكنة العلم ما ييسر لنا التنبؤ بما ستصير إليه شئون الأرض. •••
صفحه نامشخص