ذكر رحيل مولانا السلطان من قيصرية متوجها إلى الشام
لما ألقى السلطان بقيصرية عصا التسيار ، واختار التوجه إليها دون ما عداها من الأمصار ، فكر في مصالح جنده فعلم أن الأقوات التي كانت معهم قد قلت وليس في البلاد ما يقوم بإقامتهم فيها لكثرتهم ، وعزم على الرحيل ، وقيل في سبب رحيل ه ما حكيناه آنفا ، فرحل يوم الإثنين ، وكان يومئذ على اليزك الأمير عز الدين أيبك الشيخي ، وكان قد ضربه مولانا السلطان بسبب سبقه للناس ، فتسحب يومئذ إلىالتار . ( وكان أولاد قرمان التركماني قد رهنوا أخاهم الصغير علي بك بقيصرية فلما حل بها مولانا السلطان خرج إليهم ، فأنعم عليه ، وطلب منه تواقيع وسناجق له ولإخوته ، فأعطاه ، فتوجه نحو إخوته ، وكانوا مقيمين بجبل لارندا ، إلى أرمناك الى السواحل) . وأعطى مولانا السلطان وجوه أمرائه وأجناده ما غنمه من الأزمة والأعنة ، ونزل بقيرلو ، فورد عليه فيها رسول من جهة البرواناة ، ومن معه يسمى ظهير الدين الترجمان ، يستوقف السلطان عن الحركة ، وما كانوا يعلمون اين يريد وكان الخبر شايعا أن الحركة إلى سيواس . فلما أحاط علم السلطان بالرسالة أجابه أن معين الدين ومن كانت تأتيني كتبهم ، شرطوا شروطا لم يفوا بها ، ولا وقفوا عندها ، وقد عرفت الروم وطرقه ، وما كان جلوسنا على التخت رغبة فيه إلا لنعلمكم أنه لا عائق لنا عن شيء نريده بحول الله وقوته ، ويكفينا أخذنا أمه وابنه وابن بنته ، وما منحناه من النصر الوجيز : { ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز) . ثم حل ونزل خان كيقباذ فلما نزل به ، بعث الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري إلى رمانة ، ومعه عسكر ، فحرقها ، وقتل من بها من الأرمن وسبى حريمهم ، لآنهم كانوا اخفوا عندهم جماعة من المغل لما جاز السلطان عليهم . ثم رحل وأعمل السير في اجبال وأودية وخوض أنهار مجهدا نفسه الكريمة ، باذلا لها فيما يعود نفعه على عسكره حتى نزل ، ليلة السبت السادس والعشرين ، عند قرا حصار قريبا من بازار بلو] ، وهو السوق الذي يجتمع إليه الناس من ساير الأقطار . ثم رحل يوم السبت فعبر بالمعركة التي أعين فيها بالملائكة ، وكشف عن بصيرة المحامي عن دينه فرأى في الجنة سرره وأرايكه ، فرأى أشلاء من قتل فيها ، فسأل عن عدتهم ، فقيل له إن عدة من قتل من المغل خاصة ستة آلاف وسبعماية وسبعون نفسأ . فلما بلغ ا أقجادر بند ،بعث الخزاين والدهليز والسناجق صحبة الأمير بدر الدين بيليك الخزندار ليعبر بها الدربند ، وأقام في ساقة العسكر بقية اليوم ويوم الأحد ، ورحل يوم الإثنين فدخل الدربند الذي دخل منه الأمير بدر الدين ، فحصل لمن معه مشقة ، وبعدت عليهم اشقة ، لما قاسوه من الأوعار ، وكابدوه من الهول الذي هو من الرفق عار . ولما خلص منه نجيا ، عبر النهر الأزرق الذي يسمى كك صو ، وبات في قنة جبل ، ثم حل فنزل قريبا من كينوك ، ثم رحل يعمل الحركة سيرا وسرئ ، إلى أن نزل يوماثلاثاء سادس ذي الحجة قريبا من حارم ، فوردت قصاد الأمير شمس الدين محمد بن قرمان بما يأتي بيانه وشرحه إن شاء الله . ولما نزل حارم ركب لوقته يرتاد منزلة يرفه فيها من معه من العساكر والخيول ، فلما حصل له غرضه استدعى بالعساكر ، وأنزلهم حيث اختار لهم ، وذلك في السابع من الشهر ، وعيد هناك ، ووافاه جماعة من أمراء التركمان المقيمين بالروم ، ومعهم خلق كثيرة ، فخلع عليهم ، وأحسن إليهم وأقام حتى قضى العيد، ورحل إلى دمشق فوصلها في سابع المحرم سنة ست وسبعين وستماية .
صفحه ۱۷۷