وفي الرابع والعشرين من صفر غلق ماء السلطان ، وكسر الخليج بكرة السبت االخامس والعشرين منه ، الموافق خامس عشر توت القبط ، وركب مولانا السلطان االملك السعيد ، وباشر كسر الخليج بنفسه ، وسير الأمير شمس الدين الفارقاني على القياس ، وانتهت الزيادة إلى أربع عشرة إصبعا من تسعة عشر ذراعا .
ذكر توجه مولانا السلطان إلى حلب ووصول ضياء الدين إليه رسولا
كان توجه مولانا السلطان [ من دمشق] إلى حلب يوم الخميس تاسع شهر صفر، وهو اليوم الذي بعث فيه بهادر بن الأمير حسام الدين بيجار ، فدخل إلى حمص في الثالث عشر ، وأقام بها إلى الثامن عشر من صفر ، فوافاه عليها يومئذ الأمير ضياء الدين محمود بن الخطير ، وأمير سنان الدين بن الأمير سيف الدين طرنطاي البكلر بكي . وكان السبب في وصولهما إليه أن أمراء الروم لما جاوبوا مولاناالسلطان عن كتبه الواصلة إليهم من جهته ، شرع شرف الدين بن الخطير في تفريق العساكر الرومية ، وأذن لهم في نهب من يجدونه من التتر وقتله ، وانحاز شمس الدين محمد بن قرمان وإخوته وأولاده بمن معه من التركمان إلى السواحل بالروم] ، وباينوا التتر ، وأغاروا على من جاورهم منهم ، ثم كاتب السلطان االمك الظاهر يعرفه مباينته للتتر ، وإخراج الساحل من ايديهم باستيلائهم عليه . فبلغ السلطان غياث الدين ومهذب الدين ما اعتمده شرف الدين من إظهار العداوة للتتر ، بعثا في طلبه ، فلما وصل إليهما ، آمر مهذب الدين أن يحضر جميع رسل التتر ونوابهم، ومن كان من المغل بقيصرية ممن كان مع نبجي وتقونوين على أسوا حال فأحضروا مكشفين الروس مكتفين ، وبسطت الرعية آيديهم فيهم ، وحبس من قبض عليه منهم ، وبعث مهذب الدين إلى شرف الدين مسعود ، وكان بظاهر المدينة بعسكر ، ليحضر ، فابى ، فخرج إليه تاج الدين كيوي ، وسيف الدين طرنطاي ، فتأخر سيف الدين لحاجة عرضت له ، وسبق تاج الدين . فلما اجتمع بشرف الدين عنفه وأغلظ له في القول على تأخره عن الموافقة ، فأمر به فقتل وقتل معه سنان [ الدين] ابن أرسلان طغمش زوباشي قونية . ولما قتلهما أوجس في نفسه خيفة من مهذب الدين ومن وافقه ، فتوجه قاصدا أبواب مولانا السلطان ، وكان ذلك يوم الجمعة ثالث عشر صفر ، والناس في الجامع ، فلم يصل أحد يومئذ جمعة ، فأدركه الأمير سيف الدين طرنطاي ، فلما رأى السيوف مجردة أنكر عليه فقال شرف الدين : "فات ما فات أشر علي بما فيه المصلحة" . فقال : "من الرأي عندي أن أرجع إلى بيتي" . فرجع وتركه ، فلما بلغ مهذب الدين قتل تاج الدين ورجوع سيف الدين إلى بيته ، بعث إلى سيف الدين يستدعيه إليه ، فأبى فتخيل مهذب الدين أنه مع شرف الدين ، ثم بعث شرف الدين إليه ، فلما اجتمع به سأله أن يوفق بينه وبين مهذب الدين ، فعادسيف الدين إلى مهذب الدين ، وسأله في ذلك فأجاب . وخرج السلطان غياث الدين الى ظاهر قيصرية ، فنزل بجمال طاسي في عشية النهار المذكور . فلما رآه شرف الدين وضياء الدين ومن معهما ترجلوا وقبلوا الأرض بين يديه ، ونادوا في البلد بشعار السلطان االملك الظاهر ، واتفقوا على أن السلطان غياث الدين والعسكر يتوجهوا إلى مدية بكيدة يقيموا بها ، ويبعثوا قصادا إلى السلطان يستوثقوا منه باليمين لغياث الدين وأنفسهم . فاستأذنهم مهذب الدين في أن يدخل قيصرية ليحمل أثقاله لا م يخرج إليهم ، فأذنوا له ، فدخل قيصرية وحمل منها أثقاله وحريكه ، ثم خرج منها يلا وقصد دوقات ، فلما تحققوا توجهه إلى دوقات ، بعث شرف الدين بن الخطير أخاه ضياء الدين محمود ومعه سبعة وثلاثين نفسأ من أصحابه ، وبعث الأمير سيف الدين طرنطاي البكلر بكي ولده سنان الدين ومعه عشرين نفسأ إلى أبوابمولانا السلطان الملك الظاهر ، وسار شرف الدين وسيف الدين والسلطان غياث الدين الى بكيدة وقرروا مع رسلهم آن يحثوا السلطان الملك الظاهر على المسير إليهم لبعد أن يستحلفاه على ما تقرر . فلما وصلا إلى مولانا السلطان واجتمعا به في حمص ، وأخبراه بما طراشاه على المسير ، فكان جوابه : " أنتم استعجلتم في المباينة فاي كنت قد وعدت معين الدين [البرواناة] ، قبل توجهه إلى الأردو ، أني في أواخر هذه السنة أطأ البلاد بعساكري ، فإنها بمصر ، وما يمكنني أن أدخل البلاد بمن معي من العساكر الآن لقلتها وضعفها ، واما انفصال مهذب الدين إلى دوقات فنعم ما فعل فإنه كان مطلعا على ما بيني وبين والده" . ثم أمر بإنزالهم وإكرامهم . فلما استقر بهم القرار طلب ضياء الدين أن يجتمع بالسلطان خلوة ، فأجابه . فلما اجتمع به ا قالله : " متى لم يقصد مولانا السلطان البلاد في هذا الوقت ، لم نأمن على أخي أن يقتل ومن معه من الأمراء الذين حلفوا ، وإن كان ولا بد من تربص مولانا السلطان فيبعث الى البلاد من فيه قوة من عسكره حتى يكونوا درءأ للسلطان ولأخي ، فيتمكنوا من الخروج من البلاد" . فقال لهم : " أرى من المصلحة أن ترجعوا إلى بلادكم ، وتحصنوا قلاعكم ، وتحتموا بها إلى أن أرجع إلى مصر، وأربع خيلي ، وأعود في زمن الشتاء فإن أبار الشام في هذا الوقت قد غارت ، وقلته مياهها" . ثم استصحبهم معه إلى حلب في العشرين من صغر ، فلما وصل حماة ، استصعحب معه صاحبها ، وسار إلى حلب ، فوصل إليها في الخامس والعشرين من صفر ، فلما حل بها ، جهز الأمير سيف الدين بلبان الزيي في عسكر ، وبعث به إلى الروم ليحضر السلطان غياث الدين ، وشرفالدين بن الخطير ، وسيف الدين طرنطاي ، وبقية من حلف له من الأمراء . فلما وصل كينوك ، وهي الحدث الحمراء ، وردت القصاد إليه بعود البرواناة إلىالروم في خدمة منكوتمر وإخوته في ثلاثين ألف فارس ، وكان الأمر راجعا إلى تتاوون ، فكتب إلى السلطان يعرفه بذلك ، فظن أن التتر إذا سمعوا أنه في عسكر قليل يقصدونه الا فرحل من حلب إلى دمشق ، ثم إلى مصر ، ثم عاد الأمير سيف الدين . ولما نزل السلطان حمص، قدم عليه رسل من صاحب سيس ومعهم هدية ، فقبل اهدية ، ولم يجتمع بالرسل ، وكان دخوله إلى مصر يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الآخر .
صفحه ۱۵۸