تاریخ خلیج اسکندریه و ترعه محمودیه
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
ژانرها
وهناك فقط احتياطات كان من الواجب اتخاذها، ولهذه الاحتياطات كثر القال والقيل بشأنها منذ سنين ولكن وقف الأمر عند حد الكلام، والاحتياطات المذكورة هي مع إقامة سدود عديدة وخاصة من التراب والاستعاضة عنها بسدود صغيرة من البناء والخشب وهذه تكون زهيدة التكاليف عندما تكون صغيرة الحجوم.
وعندما حفرت ترعة المحمودية كانت المزروعات الصيفية في السنين الأولى لا تكاد تبلغ 4000 فدان، ولكن ما أسرع أن زادت هذه المساحة زيادة كبرى لدرجة أن صارت المياه لم تعد تفي بالحاجة في زمن التحاريق، وفي سنة 1849م كان يوجد على ضفافها 11545 فدانا ، وكان على الخطاطبة أن تروي هذا القدر من الفدادين وكمية أخرى أكبر منها على شواطئها في فصل التحاريق، فلم تعد المياه كافية لجميع الاحتياجات، والخطاطبة في هذا الفصل لم تكن تعطى من الماء إلا ما يكفي 20000 فدان. أما المحمودية فكانت تنظم على مدار السنين فأرسلوا لها كراكات وهذه لم تأت بفائدة ولا عائدة اللهم إلا كثرة النفقات والعمال.
وفي السنة المذكورة طلب الوالي (عباس باشا الأول) عمل مشروع لتغذية ترعة المحمودية. فقدمه إليه مسيو لينان بك الذي كان وقتئذ مديرا عاما للأشغال العمومية وشرع في تنفيذه.
وركبت الآلات في العطف، وهي عبارة عن مؤسسة عملت بدقة وإتقان تام ووضعت بإحكام حسن للغاية وأخذت تدور على ما يرام بمباشرة المهندس الذي نيط به إدارتها.
ولكن بعد وضع هذه الآلات انطمت الترعة، ولأجل الحصول على القدر الكافي من المياه في الترعة لمرور المراكب في الأجزاء المطمومة اضطرت الآلات أن تشتغل بكل ما فيها من قوة، وهذا باعث من البواعث الخطرة، ثم إن المزروعات التي على جانبي الترعة أخذت في الازدياد زيادة مضطردة، ولم يعد الآن الأمر قاصرا على ال 11545 فدانا بل أكثر من عشرين ألفا وبضعة آلاف، وعدا ذلك مدينة الإسكندرية، فهذه هي الأخرى لها حصة في الماء يلزم عمل حسابها؛ لأن الصهاريج التي كانت حالتها في الزمن السالف جيدة أمست الآن مهجورة ومتروكة، وإذا كان لا سمح الله يطرأ خلل في إحدى الآلات في صميم قلب التحاريق ولم يمكن إصلاحه فهنالك لا تجد الإسكندرية ما يكفيها من الماء، أفلم يحتج الأمر إلى المياه في سنة 1869م بل في سنة 1870م وكان ذلك وقتما أخذت مياه الفيضان في الارتفاع وحدث هذا مع أن الآلات كانت تشتغل على الوجه الأكمل.
وكل هذا ناجم من خطأ بين، ذلك أن إدارة مياه الترع لم تكن مركزة في يد واحدة بل في أياد متعددة فكان لترعة الإسكندرية رئيس خاص والمدير له رئاسة جانب منها. وترعة الخطاطبة تابعة له فيما يختص بتطهيرها ولكن توزيع مياهها تابع لشخص آخر وهو وكيل الأملاك الخديوية، أما الآلات فهذه تابعة فيما يتعلق بالإدارة لناظر المالية فليحكم المرء بعد ذلك ما عساه أن يحدث من جراء هذا التوزيع في إدارة المياه.
وقد انطمت الترعة واستحضرت لها الآلات ولكن هذه لم تأت مع تشغيل عدد أكبر من الخلائق إلا بعشر ما يمكن أن تأتي به فانقطع سير المراكب وصدرت أوامر مشددة تحتم على آلات العطف البخارية أن ترفع أقصى ما يمكن أن ترفعه من الماء، ولكن من الأمور المستغربة والتي لا يسلم بها عقل عاقل أن يحتم مع هذا رئيس المصلحة التابعة له هذه الآلات أن يستعمل للوقود التبن عوضا عن الفحم، الأمر الذي أوجب أن لا ترفع تلك الآلات إلا سدس ما كان يمكن أن ترفعه مع أن الأطيان التي تزرع الآن زادت فوق ذلك زيادة كبيرة.
إن ترعة الخطاطبة كانت حفرت وكان بها كثير من الماء ولم يحدث شيء من المدير يستوجب اللوم. ولكن المياه لم تصل إلى المحمودية، والخطاطبة كانت مغلقة بسدود في جملة مواضع لري القطن إلا أن مراقب هذه الزراعة كان ينكر ذلك بتاتا مع أنه أمر واقع وحقيقي، وسواء أكان هذا أم ذاك فإن الإسكندرية لم يكن بها ما يكفيها من الماء في سنة 1869م، وكذلك كان الحال في السنة التالية.
ورغم هذه المحن كان أيضا يزداد صرف المياه وذلك على ما يحتمل بدون حدوث أي تغيير في الإيراد. وإذا تم تطهير ترعة المحمودية فهذا التطهير لا يتأتى منه زيادة في كمية الماء بل يسهل فقط الملاحة تسهيلا عظيما، ومع ذلك فقد شرع في تركيب آلة بخارية على ترعة المحمودية لتغذية ناحية الرمل بالماء وذلك بدون اتخاذ أي احتياط لتزويد المحمودية بزيادة المياه التي هي في حاجة شديدة إليها.
وهنا كان لا بد من زيادة التروي وإعمال الفكر إذ ربما تحرم مدينة الإسكندرية من جزء من الماء الذي هو لها من الضروريات. وتقف الملاحة ويتعذر توزيع الماء على ناحية الرمل ولا تجد الأراضي الواقعة على شاطئ المحمودية الماء الذي تحتاج إليه. فيلزم لذلك التفكير في مضاعفة آلات التغذية وبناء سحارة تحت ترعة المحمودية. أ.ه.
صفحه نامشخص