تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرها
hospitalis
التي تعني: منزلا مجهزا لاستقبال الضيوف). ويعد غريغوريوس النازيانزي، الملقب بطبيب الكنيسة، أول من أعطى وصفا لمشفى مسيحي، وذلك بأسلوب ينم عن التفاخر والتباهي. وقد كان وصفا لمشفى في مدينة قيسارية (ويقال لها أيضا قيصرية) بكبادوكيا تم تأسيسه في سنة 374م، على يد القديس باسيليوس أسقف قيصرية، بالقرب من الضيعة التي يقع بها الدير: «يا لجمال المحبة والبذل، والتفاني، ومساعدة الفقراء، ومعونة الضعف البشري! اخرج من المدينة، وستجد مباشرة خارج الأسوار مدينة أخرى جديدة ستثير انبهارك وإعجابك [...] مدينة يهزم فيها المرض بالصفاء والسكينة الداخلية التي تنبع من الحكمة. هناك، ينظر إلى الشر باعتباره بركة ونعيما، وهناك نفتش عن الرحمة ونضعها تحت الاختبار.»
1
وهكذا، بدءا من نهاية حقبة العصور الوسطى، ستنشأ إشكالية المساعدة (وتقديم العون بطبيعة الحال إلى المجانين المعوزين) بسبب التناقض التام بين تلك المبادئ المثالية المتعلقة بالمحبة وعمل الخير وبين الممارسة العملية في المشفى على أرض الواقع؛ بحيث سيتم قياس صلاحية كلا الاتجاهين بالنظر إلى القيود المالية.
اعتبارا من القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي، تزايدت أعداد المؤسسات الاستشفائية، في الوقت الذي شهدت فيه بعض المدن تطورا ملحوظا (مثل إيطاليا على وجه الخصوص). كما تأسس العديد من الأخويات لخدمة المرضى في المدن الكبرى، مثل رابطة الروح القدس التي أنشئت في مطلع القرن الثالث عشر الميلادي وكانت مراكزها الرئيسة تقع في روما ومارسيليا. وكانت هذه الملاجئ تستقبل المعوزين من كل الفئات، وهم في أغلب الأحيان من المتشردين والمتسولين، ومن ضمنهم عدد قليل من المجانين ... وكانت اللوائح تنص على «القيام، في جميع أيام الأسبوع، بالبحث عن المرضى الفقراء والمساكين في الشوارع والميادين.» ولكن، في الواقع، هذا لا ينبغي أن يدفعنا للظن بأن المعوزين، على الرغم من كثرة عددهم في العصور الوسطى، كانوا يتهافتون على التوافد بأعداد غفيرة على هذه المشافي المنشأة حديثا. كما أن هناك فئتين، على الرغم من التعارض الموجود بينهما إلى أقصى درجة، فإنهما رفضتا «الاحتجاز» في المشفى، وهما: «الفقراء المستورون» (يطلق هذا الاسم على أعفة الفقراء الذين تأبى كرامتهم أن يظهروا في صورة معوزين؛ ولذا يحاولون إخفاء فاقتهم)، والمتشردون، وهم في حالة صحية أفضل من العجزة، بل لنقل: إنهم عجزة مزيفون، ولكنهم مع ذلك، أشبه بالذئب الهزيل المذكور في الحكايات الرمزية، يسعون إلى «التحرك حيث يريدون دون أن يقيد حريتهم شيء». بالنسبة إلى أولئك الذين ينتمون إلى الفئة الأولى، والأكثر أحقية بالشفقة والعطف، كانت المشافي تتولى تقديم الصدقات وخدمات الرعاية إليهم في المنازل.
ومع ذلك، سرعان ما ازدحمت تلك «المشافي»، التي أطلق عليها أيضا «دور الرب»
hôtels-Dieu
أو «بيوت الرب»
maisons-Dieu ؛ نظرا لضيق المساحة؛ ففي الأغلب لم تكن تستوعب إلا عشرة أسرة أو عشرين سريرا بحد أقصى. ومنذ ذلك الحين، ظهرت الحاجة إلى تناوب العمل؛ مما دعا القائمين على هذه المشافي إلى الحد من قبول الحالات المرضية التي لا سبيل إلى شفائها، بل ورفضها، بدءا بمرضى البرص أو الجذام (والمصابين بالأمراض المعدية بوجه عام)، وأيضا المصابين بالشلل، والمكفوفين، والمجانين ؛ أي جميع أولئك الذين لا يقتصر وجودهم على «تجميد» الأسرة فحسب، وإنما يقتضي أيضا تخصيص أقسام منفصلة (وبالأخص، زنازين للمجانين الهائجين). على الرغم من ذلك، نجد بعض المجانين في المشافي ذات المساحات الواسعة؛ بما يتيح تخصيص أماكن لعزلهم عن بقية المرضى. في نهاية القرن الثاني عشر، نصت اللوائح الخاصة بمشفى سانت إسبري (الروح القدس) في مونبلييه على ما يلي: «إذا وجد مجانين في المدينة، فاستقبلوهم وابحثوا عن سبب إصابتهم بالجنون لإيجاد العلاج المناسب، ثم ضعوا كل مريض منفردا في مكان خاص؛ خشية أن يلحقوا الأذى بعضهم ببعض.»
2
صفحه نامشخص