تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرها
ورافضا أي جمود في المنهجية، اقترح يونج على من يمارس التحليل النفسي، أو على «أي شخص يريد التعرف على النفس البشرية»، أن يترك جانبا سترته وكتبه و«أن يتجول (كما فعل هو ذاته) على غير هدى في شتى أنحاء العالم بقلبه البشري.»
كانت هناك الكثير من الخلافات (العميقة بلا شك) داخل ما يمكن تسميته ب «عائلة» المحللين النفسيين. ولكن ماذا عن الاستقبال المتحفظ الذي لاقته أفكار فرويد لدى الأطباء النفسيين «الأساسيين» خاصة في فرنسا؟ كان فرويد أول من اشتكى: «ماذا يريد هذا المحلل النفسي؟ [...] أن يعيد إلى سطح الوعي كل ما هو مكبوت. ألم يكبت كل منا الكثير من الأشياء التي نحتفظ بها بصعوبة في اللاوعي؟ كان التحليل النفسي يثير في نفوس كل من يسمع عنه المقاومة نفسها التي لدى المرضى. ومن هنا تأتي بلا شك المعارضة القوية والغريزية التي يتميز علمنا بإثارتها.»
16
في الواقع، أبدى مجتمع الأطباء النفسيين بأكمله وعلى مستوى العالم رفضه لفرويد. وخارج فرنسا، كان هناك كرابلين وفاجنر فون جوريج وآشافنبرج وغيرهم من المعادين لأفكاره بدرجات مختلفة. في فرنسا، كان العداء شبه عام. كان هناك حديث عن «السم الفرويدي». «تأتي دراساته العميقة بكثير من السفالة وبأسلوب خارج عن اللياقة» (تريا). ويصف شارل بلونديل - طبيب نفسي - التحليل النفسي ب «الانحلال ذي الطابع العلمي»، ويندد «بالسخافات التي قد يؤدي إليها هذا الهاجس بالفكرة الجنسية المسبقة.» كان أول طبيب نفسي فرنسي يدخل أعمال فرويد إلى فرنسا هو آنجيلو هينسار (1886-1969)، ولكن بطريقة نقدية تماما لم تؤت فائدة لحركة التحليل النفسي. ثم توالت الترجمات المتأخرة لكتاب «مقدمة في التحليل النفسي» (1922) و«علم الأحلام» (1926). وتكونت مجموعة صغيرة حول رينيه لافورج (1894-1962) بسانت آن، والتي أصبحت عام 1925 «مجموعة تطور الطب النفسي» (كان مينكويسكي واحدا منهم). وهناك كان يحيط بمينكويسكي آخرون غير أطباء، مثل أوجوني سوكولنيكا (1884-1934) التي كانت هي المحرك لحركة التحليل النفسي في فرنسا، وماري بونابرت (1882-1962) - المسماة ب «الأميرة»، وقد أطلق عليها لقب «قال فرويد». كانتا هما الاثنتان قد خضعتا للتحليل على يد فرويد نفسه. وفي عام 1926، تأسست جمعية التحليل النفسي بباريس، وظل لافورج يرأسها حتى عام 1930.
إلا أن هذا لم يمنع العديد من الأطباء النفسيين الفرنسيين - لكي لا نقول معظمهم - من استكمال مقاومتهم لهذه الأفكار. ألم تنشر في عام 1929 «مجلة الطب والطب النفسي» - أقدم وأشهر مجلة في الطب النفسي - دون أي مناقشة مسرحية بعنوان «حوار عائلي حول مذهب فرويد»، وهي هجوم منظم ضد حركة التحليل النفسي؟
17
واتهم فرويد فيها، ليس فقط بأنه أخطأ، بل بأنه مخادع. وقيل: إن التحليل النفسي «إنما هو مزحة بحتة، وإن الطب النفسي ما هو إلا محض أوهام.»
كان لإدوارد بيشون (1890-1940) مكانة خاصة في ظل هذه المؤامرة. كان - وهو عضو بمنظمة الحركة الفرنسية وصهر جانييه - مؤيدا لأفكار التحليل النفسي، ولكنه كان ضد فرويد شخصيا. كان أحد مؤسسي جمعية تطور التحليل النفسي بباريس. وأراد أن يخلص التحليل النفسي، ليس فقط من الأفكار القائلة بالدافع الجنسي وراء أي فعل، وإنما أيضا من التأثير الألماني، بل اليهودي. أفلتت هذه الكلمة عندما حاول صهره - قبل الحرب العالمية الثانية ببضعة أعوام - أن يلتقي خصمه القديم بفيينا، ولكنه رفض مقابلته من أمام الباب. وفي خطاب إلى هنري إي، كتب بيشون: «إن ما بين الرجلين إنما هو سوء تفاهم شخصي سخيف، ولكنه منع أفكارهما من الاندماج [...] لم يكن فرويد [...] يفهم طريقة المناقشات على الطريقة الفرنسية، فتضايق!» يقول بيشون، متطرقا إلى اللقاء الذي رفضه فرويد: «لا أعتقد أن هذه الحركة، خاصة وهما في نهاية حياتهما، كانت لائقة من طرف سيجموند اليهودي التشيكي.»
18
وبطريقة ما، يعد بيشون ممثلا لعصره.
صفحه نامشخص