تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

سارا رجائی یوسف d. 1450 AH
149

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

ژانرها

اصطبغت العقود الأولى من القرن التاسع عشر في ألمانيا

4

بطابع الطب النفسي الرومانسي الذي يعتزم تصحيح مفهوم المرض الروحي. ويعد أهم ممثلي هذه المدرسة هم جوهان كريستيان راي (الذي التقيناه قبلا) وجوهان كريستيان هينروث (1773-1843) - الذي يعد متقدما ومتأخرا على عصره في ذات الوقت. كان متأخرا عندما حاول - وهو من أنصار لوثر - أن يعيد إدخال مفهوم الخطيئة كسبب لحدوث الجنون. ومتقدما لتمييزه بين «هذا» الذي يتضمن الغرائز والمشاعر و«الأنا»، وبين كيان آخر يوصف ب «نحن العليا»؛ وهي ليست الأنا العليا بعد؛ مما جعله رائدا من رواد التحليل النفسي. وكان أول من استخدم مصطلح «نفسي جسمي». إلا أن صاحب الفضل في تحول الطب النفسي الألماني من الرومانسية إلى الإيجابية والأكاديمية في الأساس هو فيلهلم جريزينجر (1817-1868) أستاذ الطب بتوبنجين وكييل وزيورخ، والذي أصبح قبل وفاته بعدة سنوات أستاذا للطب النفسي وعلم الأعصاب ببرلين. كما يعد أحد مؤسسي علم الطب العصبي النفساني. ولقد أسفر هذا الطب النفسي الجامعي الوليد - كما سنرى - عن محاولة لإنشاء نظام أو أنظمة لتصنيف الأمراض العقلية. ولقد ساهم جريزينجر في تطوير مصحات الأمراض العقلية في ألمانيا، خاصة بإدخاله سياسة عدم تقييد المرضى أو ما يسمى بالمستعمرة الزراعية.

ومن بين أطباء الأمراض العقلية الألمان الكثيرين، نذكر جوهان فون جودن (1824-1886) - الطبيب المساعد بمصحة سيجبورج (بالقرب من بون) ثم بمصحة إلينو (في باد). تولى في عام 1855 إدارة مصحة فيرنرك (بالقرب من ورتزبورج) - أول مؤسسة ألمانية تطبق فيها سياسة عدم تقييد المرضى. وفي عام 1869، أصبح مديرا للعيادة النفسية الجامعية بزيورخ، ثم في عام 1872، تولى إدارة مصحة جابيرزي ببافاريا العليا، ونال أيضا كرسي الأستاذية في الطب النفسي بميونخ. عهدت إليه الحكومة البافارية برعاية الملك لويس الثاني «الملك المجنون» - والمحتجز في قصر بيرج. في مساء الثالث عشر من يونيو 1886، لم يرجع الملك ولا طبيبه من نزهتهما عند بحيرة ستارنبرج. ووجدت جثتاهما غارقتين هناك، وظهرت على جثة الطبيب آثار خنق. يبدو جليا أن الملك المجنون - ذا البنية الضخمة - قتل طبيبه قبل أن ينتحر.

شهد الطب النفسي النمساوي

5

في القرن التاسع عشر ثراء بشكل خاص، إلا أن تطوره العلمي تم خارج أسوار المصحات (وسندرس الأمر في الفصل التالي). ولنبقى في نطاق الطب العقلي، كان من المثير ملاحظة أن «برج المرضى» الشهير بفيينا-إيرنتهورم الذي افتتح عام 1789 كان سببا للإحباط؛ فلقد ترك هذا المبنى الدائري الضخم أثرا سيئا. وعندما زاره إسكيرول قال: «أمر جوزيف الثاني ببناء هذا البرج ذي الطوابق الستة، بزنازينه التي تطل على ممر دائري، بينما تستمد كافة الطرقات الضوء من مركز الساحة التي لا يزيد قطرها عن ثلاثة توازات (حوالي ستة أمتار). إنه مبنى كريه.»

6

ويضيف مورو دي تور مقارنا بين برج فيينا وقصر سانت أنج المشئوم بروما: «إنه أثر يرجع إلى عصر بعيد، ولكنه مكان بشع للإقامة.» ولا يختلف رأي أطباء الأمراض العقلية النمساويين كثيرا. في عام 1816، أنشأ بي جورجين - أحد كبيري الأطباء ببرج فيينا ذائع الصيت - مؤسسة صغيرة خارج فيينا لاستقبال المرضى المسالمين، وسرعان ما اقتصر البرج على المرضى الفقراء والميئوس من شفائهم. ومستندا إلى أفكار راي، أنشأ في عام 1819 أول مؤسسة خاصة لمرضى الاعتلال العقلي الأثرياء، والتي يقوم فيها العلاج على الموسيقى ولعب البلياردو والورق وركوب الخيل. ومنذ عام 1820، بدأ التفكير في استبدال البرج (الذي لم يكن قد جاوز الثلاثين عاما) بمؤسسة كبيرة تتماشى مع مبادئ طب الأمراض العقلية الجديدة. وزار كبير أطباء آخر من مصحة برج فيينا - إم فون فيسزانيك - مصحات فرنسا وألمانيا وسويسرا في عام 1843.

كان هذا هو العصر الذي ينبغي فيه أن يقوم كل طبيب أمراض عقلية، ليكون جديرا بلقبه، بجولة (بمعنى زيارة) كبيرة نسبيا في مصحات الأمراض العقلية خارج بلاده. كان هذا يعد تدريبا إجباريا للبريطانيين والأمريكيين يتيح لهم مقارنة الأنظمة المختلفة والإفادة منها. بينما لم يهتم الفرنسيون كثيرا بهذا النشاط. وكان مورو دي تور - الذي رأيناه سابقا يزور برج المجانين بفيينا - خارجا عن النموذج الفرنسي لكثرة «زياراته العلاجية» التي كان يقوم بها بناء على طلب مديره إسكيرول. وبعد مناقشة رسالته في عام 1830، قام بزيارة إلى سويسرا وإيطاليا. وفي عام 1836، شرع في زيارة استغرقت ثلاثة أعوام عبر مصر والنوبة وفلسطين وسوريا وآسيا الصغرى، واكتشف خلالها الحشيش. وفي عام 1845، نشر دراسة «مقال عن الحشيش والجنون»، كما رأى في ألياف نبات القنب الهندي «وسيلة فعالة ومتفردة للبحث في علم نشوء الأمراض العقلية» (متقدما بذلك الدراسات المستقبلية في علم الأمراض النفسية التي تسببها مادة معينة والتي جرى تجريبها على المواد المهلوسة).

صفحه نامشخص