تاریخ اسلامی: مقدمهای بسیار کوتاه
التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ...
على الرغم من ذلك، من الواضح أن هذه ليست الطريقة الوحيدة التي ينظر بها للأمور، وليس ذلك بالطبع ما آلت إليه الأمور. غير أن العرب وثقافتهم كانت لهم أهمية لدى كل المسلمين في عدد من النواحي. إن الربط الأولي بين الإسلام والعرب - علاوة على الاعتراض الأزلي (والبائد حاليا) على ترجمة القرآن - أسفرا عن أنه حتى المسلمين غير العرب كان لديهم سبب لتعلم أساسيات اللغة العربية على الأقل. ولا ضير في النظر إلى اللغة العربية - حتى بين الفرس - على أنها لغة الله (على الرغم من أن معظم المؤرخين المسلمين يعتقدون أن آدم وحواء تحدثا اللغة الآرامية). لابد لمن يريد قراءة الأعمال المهمة في الفقه الإسلامي وعلم اللاهوت والدراسات القرآنية وعلم الحديث والتاريخ وما إلى ذلك أن تكون لديه معرفة شاملة باللغة العربية. ولأن الإسلام انتشر في الأغلب في مناطق وفترات كان فيها الإلمام بالقراءة والكتابة محدودا للغاية، كثيرا ما تتضمن أولى تجارب المسلم في الإلمام بالقراءة والكتابة تعلم قراءة لغة الله وكتابتها.
نتيجة لذلك، حتى اللغات غير العربية صارت تكتب في صورة من الخط العربي جرى تعديلها لتلائم الطبيعة الخاصة للغات المنطوقة. فاللغات الفارسية والأردية (الهندية بالخط العربي) والتركية - حتى وقت حديث نسبيا - علاوة على مجموعة من اللغات الأخرى تستخدم الحروف الأبجدية العربية وتحتوي على كلمات عربية عديدة. لهذه الأسباب كان كل المؤلفين - بصرف النظر عن انتمائهم العرقي - في القرون القليلة الأولى من التاريخ الإسلامي يكتبون أعمالهم باللغة العربية. لذا قد تقارن اللغة العربية باللغة الصينية التي أتاح ثباتها على مدار آلاف السنين للدارسين الصينيين الاطلاع على أفكار من سبقوهم واتخاذها أساسا لأفكارهم؛ مما أدى إلى أن العديد من الابتكارات التي غيرت العالم قد نشأت هناك؛ بدءا من الورق، والطباعة، والبوصلة، والبارود إلى الألعاب السحرية والكونغ فو. وكلغة أكاديمية يتشاركها المتحدثون غير الأصليين لها، تستدعي اللغة العربية إلى الأذهان أيضا استخدام اللغة اللاتينية في أوروبا قبل الحداثة وأثناء العصر الحديث المبكر. لقد سمح انتشار اللغة العربية كلغة أكاديمية للدارسين - مسلمين وغير مسلمين على حد سواء - بنقل أفكارهم عبر الحدود والأجيال، ونتج عن ذلك نتائج مبهرة حقا في العديد من المجالات. فقد ترجم على سبيل المثال قدر كبير من المؤلفات اليونانية القديمة إلى اللغة العربية تحت رعاية الخلفاء في القرن التاسع، وذلك في وقت فقد فيه معظم أهل الغرب القدرة على الاستمتاع بهذا التراث؛ ومن خلال ترجمات هذه النسخ العربية من اليونانية إلى اللاتينية، أعادت أوروبا اكتشاف الكثير من هذه الأعمال والأفكار التي تتضمنها. ومن ثم قيل (إن لم يكن قد أقر على نطاق واسع) إن «عصر النهضة» كما نعرفه ما كان ليحدث إن بقي العرب ولغتهم في شبه الجزيرة العربية.
لا شك أن تأسيس حضارة إسلامية لم يكن ليحدث إن بقي العرب في شبه الجزيرة العربية، والعرب هم من فتحوا الشرق الأدنى، وشمال أفريقيا، وشبه جزيرة أيبيريا، وآسيا الوسطى. علاوة على ذلك، أرسى العرب الأسس السياسية والأيديولوجية التي بنيت عليها الإمبراطوريتان العباسية والأموية. لكن في حين احتفظت اللغة العربية وثقافتها بأهميتهما للإسلام في الأزمان الحديثة، تخلف العرب أنفسهم في بعض النواحي؛ فحتى في ذروة الثقافة الإسلامية العربية في القرنين التاسع والعاشر، كانت معظم الشخصيات الثقافية اللامعة من غير العرب. عرف الكندي (الذي توفي عام 873) باسم «فيلسوف العرب»؛ ليس لأن معظم الفلاسفة كانوا من العرب ولكن لأنهم لم يكونوا كذلك تحديدا. وبدءا من القرن العاشر فصاعدا، كثيرا ما وجد العرب أنفسهم خاضعين لحكم آخرين؛ عادة ما كانوا إخوة في الدين من الفرس أو البربر أو الأتراك.
شهد انقسام الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى إعادة تشكيل عام للعناصر الدينية والعرقية في الشرق الأدنى مع تسابق جماعات مختلفة للتأسيس لهويات قومية وفوق قومية. ومع أن البحث عن هوية اجتماعية بدأ مع الإسلام - الذي قدم عامل توحيد جاهز من خلال فكرته عن الأمة - كان العديد من المفكرين العرب مسيحيين، وسعوا لتعزيز الهوية «العربية» بدلا من الهوية «الإسلامية». لذا كانت القومية العربية والوحدة العربية عن قصد حركتين علمانيتين (وكثيرا ما كانتا اشتراكيتين). لكن بسبب فشل تجربة الوحدة العربية التي تبناها عبد الناصر (1958-1961)، وعجز الدول العربية عن هزيمة إسرائيل، وعوامل أخرى كثيرة، بزغ نجم الأيديولوجيات الإسلامية مجددا لتحل محل الوحدة العربية كعامل توحيد في الشرق الأدنى وما وراءه.
في هذا السياق كانت الحدود الفاصلة بين الحركات المتمركزة حول العرب وتلك المتمركزة حول الإسلام أحيانا غير واضحة؛ فقد أكد ميشيل عفلق (الذي توفي عام 1989) - أحد دعاة القومية العربية البارزين - أن الإسلام هو الإنجاز الأعظم للعرب، وأن محمدا أعظم أبطاله؛ هذا مع أنه كان مسيحيا سوريا. علاوة على ذلك، استطاع أفراد وأمم كاملة في الوقت ذاته تشجيع هويات متعددة؛ فقد ناصر معمر القذافي كلا من الوحدة العربية والأفريقية، واستكشف بعض اللبنانيين جذورهم الفينيقية، وكذلك استكشف الفلسطينيون خلفيتهم الكنعانية وذلك على سبيل المثال لا الحصر. والمثير للاهتمام أنه على الرغم من أن «الإسلام» و«العرب» كانا متلازمين في البداية - كي تكون مسلما لا بد أن تكون عربيا - فبحلول منتصف القرن العشرين كانت الأيديولوجيات العربية والإسلامية في صراع مباشر من أجل اجتذاب قلوب وعقول شعوب الشرق الأدنى. ففي العالم العربي كانت الهيمنة للحركات الإسلامية، لكن صوب شرق هذا العالم - في إيران - نجد السباق بين الولاءات الدينية والعرقية سباقا حامي الوطيس.
الفرس
يدين العرب والأتراك - كما سنرى - للإسلام بالفضل في تصدرهم للمسرح العالمي. أما الفرس، فليسوا كذلك. للفرس تاريخ طويل باعث على الفخر من الاستقلال يرجع إلى حكم الأخمينيين (559-330 قبل الميلاد)؛ وحينما هزم الفاتحون العرب الإمبراطورية الساسانية (التي حكمت من 224-651)، كانوا يضعون نهاية لنحو 12 قرنا من استقلال سياسي وحكم ذاتي فارسي كاد يكون متواصلا. لذا، بينما كان ظهور الإسلام نجاحا تاما للعرب والأتراك، كان أشبه بنعمة ونقمة للفرس الذين فازوا بالتوحيد والدين الحنيف لكنهم خسروا إمبراطوريتهم واستقلالهم. ومع أن المسلمين الأوائل أقاموا دولتهم في الأراضي البيزنطية والساسانية سابقا، فالساسانيون هم من تكبدوا تكلفة باهظة؛ إذ كان بإمكان الرعايا البيزنطيين الذين فتحت أراضيهم أن يفروا إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية لم تخضع للفتح الإسلامي، وكان بإمكان أي ثقافة مسيحية أو يونانية اجتثتها يد الفتوحات أن يعاد غرسها من جديد في الأراضي البيزنطية الباقية. على النقيض، فتح المسلمون الإمبراطورية الساسانية بالكامل، ومع أن بعض الزرادشتيين فروا إلى الهند (حيث عرفوا باسم «البارسيين» منذ ذلك الحين)، فلم يكن أمام الثقافة الفارسية سوى الاندثار. وكان لكل هذا تبعات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
على المدى القصير، تصدى الشعب الفارسي (وأراضيه) للجيوش العربية بشراسة، وهو ما كان يعني أن الخضوع لحكم الخلافة، والتحول إلى الإسلام، واستيطان العرب، والتعريب في بعض الأقاليم كانت أمورا ظاهرية. وفي معظم المناطق سمح لشخصيات فارسية بارزة بأن تحتفظ بقدر من السلطة، ولذا بقيت العادات الإدارية الفارسية. وعلى نحو غريب، نظر الكثيرون من الفرس إلى الفتوحات الإسلامية على أنها تحول مؤقت يمكن الرجوع عنه. وعلى مدار القرنين التاليين ظهر عدد كبير من «المخلصين» هدفهم المعلن استعادة الوضع الديني والاجتماعي والسياسي الذي كان قائما قبل الفتح الإسلامي. وقد نظر بعض المؤرخين المعاصرين وحتى بعض المراقبين آنذاك (على نحو خاطئ) إلى أحداث مختلفة في التاريخ الإسلامي على أنها أمثلة لحركات تحرير الفرس، ومن بينها الثورة العباسية، وتأسيس بغداد، وظهور البويهيين والسامانيين والصفويين، وتبني الحكام الصفويين ورعاياهم للمذهب الشيعي. ومثل هذا التفسير للأحداث غير صحيح في كل حالة، لكنه دقيق في إدراكه العام للتأثير المربك الذي خلفه ظهور الإسلام على كثير من الفرس.
على المدى المتوسط، وبدلا من القضاء على الآثار التي ترتبت على مجيء الإسلام، تأسلم الفرس وثقافتهم الفارسية. حدث هذا على نحو أكثر وضوحا تحت حكم العباسيين الذين أسسوا قاعدتهم السياسية من أنقاض المؤسسات الساسانية، عن طريق الانتقال إلى العراق. لم يقتصر الأمر على أخذ العباسيين التنظيم الحكومي والسياسي من التقاليد الفارسية (مثلما أخذ الأمويون في سوريا أشكال التنظيم البيزنطي)، بل إن جوانب كثيرة من الحضارة العباسية - بما في ذلك الأدب والتاريخ والعلوم الدينية والدراسات القرآنية بل والشعر العربي واللغويات - تشكلت وتأثرت بأشخاص ألفوا الكتب باللغة العربية لكنهم كانوا يتحدثون اللغة الفارسية في حياتهم اليومية. كان الفرس مدركين كثيرا لتفوقهم الثقافي، وظهرت حركة أدبية تدعم الثقافة الفارسية وتذكر العرب بما يدينون به من فضل لها. حتى العلامة ابن خلدون (الذي توفي عام 1406) - الذي كان يكتب في الغرب الأقصى من العالم الإسلامي - أورد في كتابه «المقدمة» فصلا تحت عنوان «في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم».
صفحه نامشخص