تاریخ اقتصادی جهانی: مقدمهای بسیار کوتاه
التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
صناعة القطن
كتب إريك هوبزباوم عبارة شهيرة يقول فيها: «إذا ذكرت الثورة الصناعية ذكر القطن.» فمن بدايات متواضعة في منتصف القرن الثامن عشر، صارت صناعة القطن أكبر قطاعات الاقتصاد البريطاني؛ حيث ساهمت بنسبة 8٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 1830، وبنسبة 16٪ من إجمالي الوظائف المتوفرة في مجال التصنيع. كانت صناعة القطن أول صناعة تشهد تحولا من خلال العملية الإنتاجية في المصانع، وقد أدى نمو صناعة القطن إلى النمو المذهل لمدينة مانشستر، فضلا عن العديد من المدن الأصغر منها الأخرى في شمال إنجلترا واسكتلندا. وقد جاء نمو الاقتصاد البريطاني على حساب الهند والصين والشرق الأوسط، وعندما بدأت هذه الدول في نهاية المطاف في التحول إلى دول صناعية مجددا، كانت صناعة القطن هي أولى الصناعات التي التفتوا إليها.
في القرن السابع عشر، كانت الصين والهند أكبر معقلين لصناعة القطن في العالم، فكانت بنغال ومدراس وسورات تصدر الملابس القطنية عبر المحيط الهندي وحتى غرب أفريقيا، وكان القطن ينتج أيضا في مراكز صغيرة في آسيا وأفريقيا. بدأت شركات الهند الشرقية المختلفة في تصدير المنسوجات القطنية والموسلين إلى أوروبا في أواخر القرن السابع عشر؛ حيث نجحت هذه المنسوجات في منافسة الكتان والصوف، وهي المنسوجات الأوروبية الرئيسية. وقد صار القطن سلعة رائجة وناجحة؛ حتى إن فرنسا حظرت استيراده في عام 1686، كما قيدت إنجلترا من استهلاكه محليا، ولكن كان هناك سوق تصدير كبيرة في غرب أفريقيا؛ حيث كان القطن يقايض بالعبيد، وفي هذه السوق كان القطن الإنجليزي ينافس القطن الهندي.
كانت المنافسة الدولية هي الدافع الذي أدى إلى ميكنة صناعة غزل القطن. كلما كان القطن ناعما، استغرق وقتا أطول في غزله. كانت الأجور مرتفعة للغاية في إنجلترا بحيث صارت المنافسة مع الهند ممكنة فقط في الأقمشة السميكة. لقد كان هناك سوق كبيرة للأقمشة الناعمة، غير أن إنجلترا لم تكن تستطيع المنافسة إلا إذا اخترعت الآلات لتقليص عدد الأيدي العاملة. كانت الفجوة كبيرة بحق؛ ففي عام 1750، كان إقليم بنغال يغزل حوالي 85 مليون رطل من القطن سنويا، فيما كانت بريطانيا تغزل ما لا يزيد عن 3 ملايين رطلا، وكانت هناك محاولات عديدة لميكنة عملية الإنتاج، وكانت ماكينة جيمس هارجريفز للغزل - التي طورت في وسط عقد الستينيات من القرن الثامن عشر - الماكينة الأولى الناجحة على المستوى التجاري، ثم جاءت بعدها ماكينة الغزل التي تعمل من خلال الماء التي ابتكرها ريتشارد أركرايت، ثم جاء المغزل الآلي الذي ابتكره صامويل كرومبتون في سبعينيات القرن الثامن عشر ليجمع بين ماكينتي هارجريفز وأركرايت، وصار الأساس الذي اعتمدت عليه عملية الغزل المميكنة لمدة قرن كامل.
لا تدين أي من هذه الماكينات شيئا للاكتشافات العلمية، ولم تتضمن أي منها قفزات نظرية عظيمة، وإنما تطلبت هذه الماكينات سنوات من الهندسة التجريبية للتوصل إلى تصميمات يعتمد عليها في تشغيل الماكينات. وتعتبر ملاحظة توماس إديسون بأن «الإلهام لا يمثل سوى 1٪ فقط من الاختراعات، فيما يمثل الجهد 99٪» صائبة للغاية فيما يتعلق بصناعة القطن .
ومن ثم، يتمثل جوهر تفسير سبب ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا، في تفسير سبب إنفاق المخترعين البريطانيين وقتا وأموالا طائلة على البحث والتطوير (أي «الجهد» حسب عبارة إديسون) لتنفيذ أفكار بدت في كثير من الأحيان تفتقر إلى الإبداع. تتمثل الإجابة على هذا السؤال في أن الماكينات التي اخترعوها زادت من استخدام رأس المال لتوفير الأيدي العاملة؛ بناء عليه كانت الماكينات مربحة في استخدامها حيثما كانت الأيدي العاملة باهظة وكانت تكلفة رأس المال رخيصة؛ أي في إنجلترا. لم تكن الماكينات مربحة في أي مكان آخر، ومن هنا كانت الثورة الصناعية بريطانية المنشأ.
كان غزل القطن يصنع على ثلاث مراحل؛ أولا: كانت بالات القطن الخام تفتح وتزال الأوساخ والعوالق. ثانيا: كان القطن يهذب؛ أي كانت جدائل القطن ترص في جديلة سائبة، عن طريق سحب القطن بين فتحات التهذيب التي تحتوي على مسامير. ثالثا: كانت الجديلة السائبة تغزل فتصبح خيوطا. قبل ظهور الماكينات، كان المغزل يستخدم لعمل خيوط رفيعة، بينما كانت عجلة الغزل تستخدم في عمل خيوط سميكة. في كلتا الحالتين، كانت الجديلة السائبة تمط لترفيعها، ثم تلف لتقويتها، وأخيرا كانت الخيوط تلف حول مغزل لإرسالها إلى النساجين.
تمت ميكنة جميع هذه المراحل، ويتمثل إنجاز ريتشارد أركرايت الأكبر في تصميم مصنع غزل القطن (مصنع كرومفورد رقم 2)؛ حيث كانت الماكينات ترص فيه بترتيب منطقي، وهو التصميم الذي صار النموذج لمصانع غزل القطن الأولى في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية. لقد كانت عملية غزل القطن تمثل جوهر المشكلة، وقد ظل المخترعون يعملون على التوصل إلى أفضل الحلول لها منذ ثلاثينيات القرن الثامن عشر على الأقل. وقد كان لويس بول وجون وايت يسيران على الدرب الصحيح في أربعينيات وخمسينيات القرن الثامن عشر من خلال نظام الغزل على بكر، غير أن مصنعهما في برمنجهام كان خاسرا طوال الوقت. وكانت ماكينة جيمس هارجريفز للغزل - التي ابتكرها في ستينيات القرن الثامن عشر - الماكينة الأولى الناجحة على المستوى التجاري، وقد طورت هذه الماكينة عجلة الغزل من خلال وجود عدة عواميد دوارة تنبثق عن عجلة الغزل، واستخدام قضبان سحب ووصلات تحاكي حركات أيدي الغازل. وظف أركرايت صانعي الساعات لمدة خمس سنوات بغرض إدخال مزيد من التعديلات على ماكينته للغزل التي تعمل بالماء، والتي كانت تستخدم البكر. وباستخدام الغزل الدائري على البكر، كانت الجديلة تمط عن طريق شدها عبر زوجين متتابعين من البكرات الدوارة التي تسحب القطن إلى الأمام مثل جهاز التجفيف، يتحرك كل زوج من البكر أسرع من سابقيهما بحيث يطيلان ويرفعان الخيوط عن طريق جذبها قبالة بعضهما.
كان مغزل كرومبتون آخر أعظم ماكينة غزل ظهرت على الإطلاق؛ حيث إنها جمعت بين قضبان السحب في ماكينة هارجريفز والبكر الدوار في ماكينة أركرايت، فصارت تغزل الخيوط أرفع كثيرا من أي ماكينة أخرى. مكنت ماكينتا هارجريفز وأركرايت إنجلترا من التنافس مع المنتجين الهنود في سوق الغزل السميك، فيما جعلت ماكينة كرومبتون من إنجلترا أقل المنتجين تكلفة للغزل الرفيع أيضا.
كانت القيمة الاقتصادية لهذه الماكينات متشابهة؛ فجميعها ساعد على تقليص عدد ساعات العمل اللازمة لإنتاج رطل واحد من الغزل. في الوقت نفسه، زادت هذه الماكينات من رأس المال اللازم لإنتاج رطل واحد؛ ونتيجة لذلك كان التوفير في التكلفة جراء ميكنة عملية الغزل أكثر في البلدان التي ترتفع فيها تكلفة الأيدي العاملة. في ثمانينيات القرن الثامن عشر، كان عائد الاستثمار على بناء مصنع غزل على طراز أركرايت 40٪ في إنجلترا، و9٪ في فرنسا، وأقل من 1٪ في الهند. وفي ظل توقع المستثمرين عائدا على رأس المال الثابت يصل إلى 15٪، لم يكن من المثير للدهشة أن يقام 150 مصنعا على طراز مصنع أركرايت في بريطانيا في ثمانينيات القرن الثامن عشر، وأربعة في فرنسا، فيما لم تقم أي مصانع في الهند. كان الأمر مماثلا فيما يتعلق بالربحية النسبية المتحققة جراء استخدام ماكينة هارجريفز؛ حيث استخدمت 20 ألف ماكينة من هذا الطراز في إنجلترا قبيل الثورة الفرنسية، و900 في فرنسا، فيما لم تستخدم أي ماكينة منها في الهند؛ إذ لم يكن هناك سبب معقول في إنفاق وقت أو أموال كثيرة لاختراع ماكينات للغزل في فرنسا أو الهند؛ حيث لم يكن من المربح استخدامها هناك.
صفحه نامشخص