تاریخ ابن خلدون

شکیب ارسلان d. 1368 AH
95

تاریخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرها

وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

فقابلهم بالإجلال والإكرام ثم حضرت صلاة الجمعة فلما سمع الخطيب خطب باسمه وقال: «خادم الحرمين الشرفين» سجد لله شكرا على أن أهله لذلك ثم ارتحل للشام بعد أن أخلاها له خير بك والغزالي، فخرجوا للقائه ودعوا له فأكرمهم وأقام بها لتمهيد أمر المملكة، وأمر بعمارة قبة علي الشيخ محيي الدين بن عربي بصالحية دمشق ورتب عليها أوقافا كثيرة، ثم توجه إلى مصر فلما وصل إلى خان يونس بقرب غزة قتل فيه وزيره حسام باشا.

ثم لما دخل مصر وقع بينه وبين طومان باي سلطان الجراكسة حروب يطول ذكرها، وقتل بها وزيره سليم يوسف سنان باشا وكان مقداما ذا رأي وتدبير، فأسف سليم عليه بحيث قال: أي فائدة في مصر بلا يوسف! وقاتل طومان باي ومن معه من الأمراء قتالا شديدا وظهر لطومان باي شجاعة قوية عرف بها وشهد له بها الفريقان، وأوقع الفتك بعسكر السلطان سليم، ولولا شدة عضده بخير بك والغزالي ومكيدتهما ما ظفر بطومان باي، ثم لما ظفر به أراد أن يكرمه ويجعله نائبا عنه بمصر، فعارضه خير بك وخاف عاقبة فعله وقال لسليم: إنك إن فعلت ذلك استولى على السلطنة ثانيا، وحسن له قتله فقلته وصلبه بباب زويلة ودفنه كما أسلفنا.

ونزل السلطان سليم بالمقياس مدة إقامته بمصر بعيدا عن روائح القتلى وحذرا من المكيدة إلى أن مهدها، ثم ولى خير بك أمير الأمراء على مصر وولى الغزالي على الشام، وولى بمصر القضاة الأربعة وهم: قاضي القضاة كمال الدين الشافعي وقاضي القضاة نور الدين على بن يس الطرابلسي الحنفي وقاضي القضاة الدميري المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الحنبلي، واستولى على الأرض الحجازية وغيرها ورتب الرواتب، وأبقى الأوقاف على حالها، ورتب لأهل الحرمين في كل سنة سبعة آلاف إردب حب، ثم عاد إلى القسطنطينية وقد صرف غالب خزائنه، فأخر السفر إلى بلاد العجم ليجمع ما يستعين به على القتال، فظهر له في ظهره جمرة منعته الراحة وعجزت في علاجها حذاق الأطباء، ولا زالت به حتى حالت بينه وبين الأمنية فتوفي رحمه الله في رمضان أو شوال بعد علة نحو أربعين يوما، وذكر العلائي في تاريخه: «أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن بها حتى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه أبا يزيد حين نازعه في السلطنة، فطلب له الأطباء فلم يدركوه إلا وقد تأكلت ووصلت إلى الأمعاء فلم يستطيعوا لها دفعا ولا نفسا ومات بها ودفن بأدرنة عند قبر أبيه. انتهى ملخصا.

قلت: ونبغ من العلماء في عصر السلطان سليم:

المولى شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا، وكان جده من أمراء الدولة العثمانية، ونشأ في حجر العز والدلال ثم غلب عليه حب العلم والكمال فاشتغل بتحصيل العلم ليلا ونهارا، وبعد أن مهر في العلوم تولى التدريس، وانتقل في مدرسة إلى مدرسة، ثم تولى قضاء العسكر، ثم تولى الإفتاء في القسطنطينية بعد وفاة زنبيللي علي أفندي ومات وهو في الإفتاء سنة أربعين وتسع مئة وله تصانيف كثيرة منها: حواش على الكشاف، وله كتاب في الفقه متن، وشرح سماه «الإصلاح والإيضاح» وله كتاب في الأصول متن وشرح، وله كتاب في علم الكلام متن وشرح، وله كتاب في الفرائض متن وشرح، وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف ، ومن من فحول علماء الأتراك لم يكتب حواشي على كتب السيد الشريف، وله تآليف في التركية والفارسية ومن جملة كتبه التركية تاريخ لآل عثمان.

ومنهم المولى عبد الحميد بن علي، وقرأ في بلاد العرب ثم في بلاد العجم ثم جاء إلى بلاد الروم وسكن ببلدة قسطموني، ولما جلس السلطان سليم على سرير السلطنة اتخذه إمامه لنفسه ومات بصحبة السلطان بمدينة دمشق بعد قفول السلطان من مصر.

ومنهم المولى محيي الدين محمد شاه بن علي بن يوسف بالي بن شمس الدين الفناري وهم بيت علم كابرا عن كابر وتولى التدريس مدة ثم استقضي بالقسطنطينية، ثم تولى قضاء العساكر.

ومنهم المولى محيي الدين محمد بن على بن يوسف بن شمس الدين الفناري، ودرس مدة طويلة، واستقضي بالعسكر المنصور، وكان عالما ورعا مدققا محتاطا في معاملاته مع الناس، محبا للفقراء والصلحاء، قال صاحب «الشقائق»: كان رحمه الله علامة في الفتوى وآية كبرى في التقوى.

ومنهم محيي الدين محمد بن علاء الدين علي الجمالي المتقدم الذكر، وهم بيت علم وفضل، تولى التدريس ثم القضاء وكان من ذوي الطريقة الحسنة.

صفحه نامشخص