واعلم بأنك إنما تلقيهم
في بعض ما حفروا من الآبار
وذلك أن الأفشين خيذر بن كاوس كان مقربا عند المعتصم ولخيذر جهاد عظيم في حروب الروم ولا سيما في فتح عمورية، وهو الذي هزم بابك الخرمي الذي خرج على الخلافة في جبال طبرستان، واشتد أمره وهزم عساكر المعتصم مرارا، فرماه المعتصم بالأفشين فما زال يقاتله حتى أخذه، ولكن في سنة ست وعشرين ومائتين غضب المعتصم على الأفشين خيذر بن كاوس وحبسه إلى مات في حبسه، وأخرج فصلب إلى جانب بابك كما هو مبسوط في التواريخ.
وجاء في الانسكلوبيدية الإسلامية أن الخليفة هشام بن عبد الملك كان قد دعا ملك الترك إلى الإسلام، وأن مؤلفي العرب لم يبدءوا بالكتابة عن الترك الا في القرن الثالث للهجرة، فذكروا من أصنافهم «الطوغوزغوز» و«الغزغز» و«الكيماك» و«الغز» أو «الأوغز» و«القارلق» وكان الغزغز أبعدهم مكانا عن العرب، وكان الأوغز والقارلق هم الساكنين على حدود المملكة العربية مثل جرجان وفاراب وأربيجان، وكان الطريق من المملكة العربية إلى الصين مارا ببلاد القارلق، فكان المسافر يمشي ثلاثين يوما من حدود فرغانة الشرقية في بلاد القارلق إلى أن يصل إلى البحر المحيط.
وذكر ابن خرداذبه قبيلا من الترك كان يسكن بقرب مشاتي القارلق وهم الخالاج، وذكروا أن مدينة «خاقان ترغش» كانت بقرب نهر كو، وكان الترغش ينقسمون إلى «تخسي» وإلى «آز» وكان التخسي يسكنون على ضفاف «كو» ولهم مدينة اسمها «صوياب» وكان إلى الشرق منهم قبيل يقال له «الصيغل» وكان إلى الجنوب من نهر «مارين» قبيل يقال له «يغمه» من الطوغوزغوز، وفي بلادهم كانت مدينة «كاشغر» وقال محمود الكشفري: إن اليغمة والتخسي كانوا يسكنون على ضفاف نهر «اللي» وكان بالقرب منهم قسم من «الصيغل» وكان هؤلاء الصيغل ثلاثة أقسام: «صيغل اللي» و«وصيغل كاشغر» والصيغل الذين بقرب «تاراز»، وكان الأوغز يسمون جميع الترك من سيحون إلى الصين «صيغل» ويقول محمود الكشغري: إن الاوغز والقارلق كان يقال لهم «التركمان».
وذهب بعضهم إلى أنه قد يكون التركمان من سلائل الإيرانيين الرحالة وقد استتركوا بكرور الأيام، لأن سحنتهم تختلف عن سحنة سائر الترك، ويظنون أن «التاتار» هم من قبائل «الكيماك» السبع وأصلهم من الطوغوزغوز، وقسم بعضهم الترك إلى قسمين: الشمالي والجنوبي، وقالوا إن كلا منهما عشرة شعوب؛ فالشماليون هم البجنك والقبيحاق والأوغز واليمك والباشكرد والباسميل والقاي والياباكو والتتر والغرغز. وإن الجنوبين هم الجيكيل، والتخسي واليغمة والاغراق والجاروق والجومول والأويغور والتنكوت والخيطاي والتقناق. وقد يقع اختلاف في هذا التقسيم لأن شعوبا منسوبة إلى الشمال قد ثبت أنها سكنت في الجنوب.
ومن شعوب القسم الشمالي من كانت لهم لغات مخصوصة بهم مثل القاي والياباكو والتتر والباسميل، ولكنهم كانوا يعرفون اللسان التركي العام، وكان الياباكو يسكنون على ضفاف النهر الكبير «يامار» الذي يظن أنه النهر الذي يقال له اليوم «أومور»، وقد روى بعض المؤرخين أن جيشا إسلاميا عبر النهر في القرن الحادي عشر للمسيح تحت قيادة أرسلان تكين، الذي ذهب يغزو الياباكو والباسميل، وأما الشعوب الجنوبية من الترك، فكان منهم شعب «الجومول» يتكلم بلغة غير التركي، ولكنه يعرف التركي، وقيل مثل هذا «الأويغور» فقد كانت لهم عدا التركي لغة خاصة، وأما «التنكوت» فكانوا قبيلا غريبا في الحقيقة، سكن في وسط الترك وكذلك أهل «خوطان» و«التبت» فقد كانت لهم لغات خاصة بهم، وفي بلاد الصين وماسين كان للأهالي لغة غير التركي، وإنما كانوا يعرفون التركي، وفي أصناف الترك «الجاروق» وكانوا يسكنون في مدينة برقوق التي هي اليوم «مار الباشي» وكان في بلاد الأويغور خمس مدن، منها «بشبالق» و«قوقو» و«قرة خوجة» وكان الاويغور بوذيين يعبدون الأصنام، وقد ذكر محمود الكشغري قبائل تركية أخرى ليست داخلة ضمن الشعوب العشرين التي ذكرناها، من جملتها «الأدغيش» و«الكوجات» الذين كانوا في خوارزم وقد ذكروا من جملة من هم من أصل تركي «البلغار» و«الصوغار» وذهب الكشغري إلى أن لغة البلغار والصوغار والبجنك كلها لغة واحدة، ولكن الإصطخري يقول: إن لغة البلغار والخزر، تفترق عن لغة الترك، وكانت لهجات القرغز، والقبيجاق، والأوغز والتخسي واليغمة والصيغل والاغراق والكاروق تركية محضة، ويقرب منها لغات اليمكة والباشكير. وبالإجمال فالترك الرحالة الساكنون بين «الايتل» و«اليامار» كانوا يتكلمون بلغة أنقى من لغات أهل المدن، وقد كانت اللغة الصغدية مستعملة إلى جانب التركي في المدن، وكان يغلب على لغة الأوغز - أو التركمان - لهجة الشعوب التركية الجنوبية. ثم جاء في الانسكلوبيدية الإسلامية أن ظهور العرب على الترك في أول الدولة العربية لم يؤثر في قضية اتخاذ الترك الإسلام دينا، وكانوا يروون الحديث النبوي: «اتركوا الترك ما تركوكم.» وما أسلم الترك إلا اختيارا في القرن الرابع للهجرة (وقد ظهر لك مما تقدم أن الإسلام بدأ في الترك من أيام بني أمية، ثم فشا فيهم لعهد المأمون والمعتصم).
وأنه في سنة إحدى وتسعة وتسعين ومائتين للهجرة ، كان زحف ا لترك الوثنيين على المملكة السامانية فدحرهم المسلمون، وفي سنة اثنين وثمانين وثلاث مئة للهجرة دخل الترك المسلمون بخارى واستولوا عليها، وفي القرن الخامس للهجرة فتح الترك المسلمون تحت راية بني سلجوق بلاد الأناضول. وقد رويت أحاديث عن الرسوم عليه السلام بخلاف الحديث السابق، أي أنه كان يحرض على تعلم لسان الترك لأنه سيكون لهم ملك طويل العهد - وأظنه من الأحاديث الموضوعة - ولم يعلم شيء عن تاريخ الحادث الذي قيل فيه إن شعبا تركيا يبلغ مائتي ألف خيمة قد أسلم في يوم واحد. (قلت ورد هذا في صبح الأعشى) والمظنون أن لهذا الحادث علاقة بدولة «ألك خان» من قبيلة «أفرآسياب» وكان أمراء كاشغر المسلمون استولوا على بلاد «خوطان» ولم تعلم تفاصيل هذا الاستيلاء، وكانت بلدة «كوزن» وقلعة «بوغور» وغيرها معدودة ثغور الإسلام في بلاد التركستان الصيني، وكان دخول الأتراك الذين في الغرب متأخرا عن دخول الذين كانوا في الشرق في الإسلام.
وقد روى ابن الأثير أن شعبا تركيا كان يشتو في بلاد «بالازاغون» ويصيف في بلاد «بلغار» بقرب «الاورال» قد أسلم في شهر صفر سنة خمس وثلاثين واربع مئة، وروى أنهم كانوا عشرة آلاف خيمة، وكان القبجاق في أواسط القرن السادس للهجرة لما يدخلوا في الإسلام، وذلك يستفاد من كتاب قيل فيه عن وصول أمير القبجاق إلى «جند» ثم يقول صاحب الرواية عنه: «رزقة الله الإسلام، وكان الروس منذ أواسط القرن الثاني عشر للمسيح يسمون جميع أصناف الترك ما عدا القبجاق «سرونيكلوبوكي» أي الطرابيش السود. ومن هؤلاء قبيلة «البكنج» يظن أن أصلها ليست من الترك بل أمة غربية، وهم يخالفون الأتراك الطارئين من أواسط آسيا بكونهم يربون البقر، وقد أسلموا كسائر من أسلم من الترك، ولما تأسست سلطنة قرة خيطاي التركية بعد سنة ثلاثين ومئة وألف مسيحية، كان الإسلام قد فشا في الترك، ولكن هذه السلطنة كانت وثنية فأخذت تضطهد الإسلام، ولكنها لم تقدر عليه، وكانت إمارة «بالازاغون » الواقعة في الشمال إمارة إسلامية، وعند انحلال سلطنة قرة خيطاي كانت توجد إمارات إسلامية في شمالي «اللي» مثل إمارة «قارلق» وإمارة أخرى في بلاد «قلجة» وكانت بلاد «ماناس» هي الحد الفاصل بين الترك الإسلامية وغير الإسلامية.
أما دخول الأتراك في الأناضول وقبل ذلك في أذربيجان فما بدأ إلا في زمن السلاجقة، وقد تم تتريك تلك البلاد فيما بعد.
صفحه نامشخص