تاریخ جنگ بالکان اول: بین دولت عالیه و اتحاد بالکانی که شامل بلغارستان، صربستان، یونان و مونتهنگرو بود
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
ژانرها
فوقعت وزارة كامل باشا في حيرة شديدة؛ لأنها كانت تخشى الرأي العام إذا قبلت، وتخشى سوء المغبة إذا رفضت، ثم ارتأت أخيرا أن لا تستقل بأمر السلم والحرب بل تعقد جمعية وطنية من أقطاب السياسة وشيوخ الوزراء لتشاورهم في الأمر. (2) الجمعية الوطنية
فعقدت الجمعية في قصر ضلمة بغجة برئاسة كامل باشا وحضور ولي عهد الدولة وأمراء الأسرة السلطانية، ولبى الدعوة جميع الكبراء الذين دعوا إليها ما عدا كبار الاتحاديين، وفي مقدمتهم محمود شوكت باشا.
ثم افتتح كامل باشا الجلسة، وأمر سعيد بك - مكتوبجي وزارة الخارجية - بأن يقرأ المذكرة الإجماعية التي بعثت بها الدول إلى الباب العالي. ثم تكلم ناظم باشا وزير الحربية فأظهر تشوق الجيش إلى القتال واستعداده لبذل دمه في سبيل الوطن، ولكنه ألمع إلى صعوبة استرجاع ما فقدته الدولة العلية من الأملاك. وتكلم بعده عبد الرحمن أفندي وزير المالية، فأظهر الحالة التي صارت إليها خزينة الدولة من الضيق، وتلاه وزير الداخلية فشرح للجمعية الحالة الداخلية في السلطنة.
وكان نوردنجيان أفندي وزير الخارجية منحرف الصحة فأوعز إلى سعيد بك المذكور أن يقرأ بالنيابة عنه مذكرة وافية عن الحالة العامة، أوضح فيها أسباب الحرب والأطوار التي دخلت فيها، وتطرق إلى الموقف الاستثنائي الذي وقعت فيه السلطنة.
وروت صباح أن كامل باشا قال للجمعية: إنه لا يمكن الاعتماد على مشاكل خارجية أو على تعضيد من جانب ألمانيا والنمسا؛ لأنهما لو كانتا تنويان حقيقة مساعدة الدولة العلية لما اشتركتا في إرسال المذكرة الدولية. ثم قال: إنه يسلم بالتنازل عن أدرنه، ولكنه يطلب في الوقت ذاته شروطا من شأنها أن تجعل الحكم الفعلي فيها مشتركا بين العثمانيين والبلغاريين، وشرح الخطر الخارجي الذي ينجم عن إصرار الدولة على الشروط الأولى مع الأحوال الحاضرة.
وخطب الداماد شريف باشا، والمشير فؤاد باشا، وعبد الرحمن أفندي، ومحمود أسعد أفندي، ورشيد عاكف باشا، وارستيدي باشا، وأحمد هرما أفندي، ومختار باشا الغازي، وإسماعيل حقي بك، فوافقوا كلهم على رأي الحكومة إلا إسماعيل حقي بك فإنه خالفها في الرأي، ثم ارفض المجتمعون نحو الساعة الرابعة و10 دقائق. ونحو الساعة السادسة مساء أرسل إلى الصحف بلاغ رسمي جاء فيه ما يلي:
عقد مجلس كبير من رجال مجلس الأعيان وأصحاب المقامات السامية من ملكيين وعسكريين وعلماء، فقدم الصدر الأعظم ووزراء الحربية والمالية والخارجية باسم الحكومة إيضاحات متعلقة بالحالة الحاضرة، ثم دارت مناقشة طويلة في شأن تلك الإيضاحات، وكانت دلائل الإخلاص والاستقامة تبدو عليها، وبعد انتهائها وافقت الجمعية على رأي الحكومة، وأفصحت عن ثقتها بالدول العظمى وأملت أن تحقق فعلا ما وعدت به من المساعدة، ثم طلبت الجمعية من الحكومة أن تصرف كل جهدها إلى حفظ سلامة الدولة في المستقبل، وأن تهتم بترقيتها من الوجهة الاقتصادية.
وإذا رجع القارئ معنا إلى سنة 1877؛ أي سنة إعلان الحرب بين الدولة العلية وروسيا، وجد أن عقد جمعية وطنية من أقطاب الدولة ليس بجديد ولا وحيد في تاريخ السلطنة العثمانية، فإن كامل باشا تذكر ولا ريب ما فعله المرحوم مدحت باشا قبل إعلان الحرب الروسية العثمانية في تلك السنة فرآه من الصواب بمكان، يخفف عنه أعباء المسئولية ويكون وسيلة لبسط آراء ناضجة من رجال عركهم الدهر وذاقوا منه الحلو والمر.
أما خلاصة ما جرى في عهد مدحت باشا، فهي أنه لما قامت الحرب بين تركيا من جهة والجبل الأسود من جهة أخرى، عقد مؤتمر دولي للنظر في الحالة، فعرض مندوبو الدول مقترحات إصلاحية وطلبوا تحقيقها، فأبى المندوبون العثمانيون أن يقبلوها، وقالوا لمندوبي الدول العظمى: «إن الحكومة السلطانية قررت أن تنشئ دستورا، والدستور من شأنه أن يعود بالنتائج التي تتفق مع رغائب الدول.»
وفي أثناء اجتماع ذاك المؤتمر اقترح مدحت باشا أبو الدستور العثماني (وكان وقتئذ صدرا أعظم) على السلطان عبد الحميد أن يعقد جمعية من صدور الدولة وعيون الأمة، ليشاورهم في الأمر ويطلعهم على مذكرة بعثت بها الدول إلى الباب العالي، وصرحت فيها بأن وعدها بالدستور لا يكفي وطلبت إصلاحات فعلية، لكن الجمعية أبت أن تقبل هذا الطلب، فأدى رفضها إلى إعلان الحرب بين روسيا والدولة العلية في أبريل سنة 1877، وكان من نتائجها فشل الجيش العثماني؛ لأن يلدز كانت تدير حركاته ولا تدع الحرية الواجبة لقواده، ولأن الخلل كان ملازما للإدارة كلها لسوء الطالع، فجرى ما جرى من وصول الجيش الروسي إلى سان استفانو، وعقد روسيا للمعاهدة الشديدة التي عدلها مؤتمر برلين في السنة التالية. ومن تلك النتائج أيضا قتل الدستور العثماني، وقتل أبي الدستور مدحت باشا. (3) فتنة الأستانة: قتل ناظم باشا وسقوط وزارة كامل باشا
صفحه نامشخص