تاریخ جنگ بالکان اول: بین دولت عالیه و اتحاد بالکانی که شامل بلغارستان، صربستان، یونان و مونتهنگرو بود
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
ژانرها
وقبل إعلان الحرب البلقانية بقليل رأت الحكومة العثمانية أن تفرغ من أمر الحرب الطرابلسية، فقبلت الشروط الأساسية التي طلبتها إيطاليا لتكون مطلقة اليدين حيث يتهددها الخطر الأكبر. •••
كان إعلان الحرب البلقانية قبل أن يتم حشد الجيش العثماني كما روى الضابط الألماني هوشوختر الذي رافق دولة محمود مختار باشا، ولكن الآمال كانت كبيرة في الأستانة، والمراجع العالية كانت تلتهب شوقا إلى إظهار قوة الجيش العثماني كما قال أيضا ذاك الضابط الألماني، ثم إن الجيش نفسه كان يتوق إلى القتال بعد أن وقف أشهرا عديدة أمام الحرب الطرابلسية وهو لا يستطيع الوصول إلى أولئك الأعداء الذين هجموا على طرابلس، وكل من وقف على الجرائد الأوروبية الكبرى يعلم أن عددا غير قليل من القواد ولا سيما القواد الألمانيين كانوا يرجحون أن طالع الجيش العثماني سيكون سعيدا في المعارك المقبلة.
وإذا راجعنا ما كتبه الموسيو استفان لوزان رئيس تحرير الماتين الذي كان في عاصمة السلطنة أيام سفر الجنود العثمانية إلى مواقع القتال، وجدنا ما يدل على هذا الرأي الذي كان شائعا، قال الكاتب المشار إليه في مؤلفه المسمى «عند سرير تركيا»: إني سألت الموسيو جورج ريمون الذي كان مع الأتراك في طرابلس عن عددهم هناك، فقال لي: إني أوكد لك كل التأكيد أنهم لم يكونوا في طرابلس أكثر من 1700 تركي، فعجبنا وأخذنا نتساءل قائلين: «إذا كان 1700 تركي قاوموا مائة ألف رجل طلياني فأي عدد تحتاج إليه الحكومة التركية لقهر 200 ألف بلغاري، ولكن الحرب هي - لفرط الأسف - أبعد شيء عند حساب الحاسبين.»
ثم روى حديثا يدل على الحالة النفسية التي كانت عليها جنود الرديف، قال:
ذهبت إلى مقربة من سان استفانو؛ تلك المدينة الصغيرة التي اكتسبت صفة تاريخية مضاعفة بنزول الجيش الروسي فيها سنة 1878، ثم بدخول الجيش الذي قدم من سلانيك سنة 1909 (لتأييد الدستور)، فوجدت خمسة عشر ألف جندي عثماني معسكرين، ولما وصلت كانوا جالسين جماعات جماعات على شكل حلقات، بعضها يحيط بضابط يشرح بعض النظريات، والبعض يجهز العدات، وهم عامرو البنيان كبيرو الجثمان كالذين رأيتهم في الأستانة، فدعوت إلى أحدهم بعد استئذان ضابطه وسألته: من أين أنت؟ - من أنقرة (وهي تبعد 500 كيلومتر عن البوسفور). - كم يوم قضيتم في السفر إلى هنا؟ - سبعة أيام. - هل تركت عددا من الجنود وراءك ؟ - ألوفا كثيرة . - كم تقبض من النقود في اليوم؟ - ثلاثة قروش. - وهل تدفع إليك؟ - بانتظام. - متى تؤمل الرجوع إلى أنقرة؟ - بعد شهرين، فإنا قادمون لنزهة حربية. - هل تأسف على شيء تركته وراءك؟ - نعم، آسف على الموسيقيين، ولكنهم لا يلبثون أن يصلوا، ونحن محتاجون إليه لنرقص بنات البلغار على نغمات موسيقاهم.
تلك هي الحالة النفسية عند معظم الجيش يوم إعلان الحرب وهي عامل كبير من عوامل النصر، ولكن سوء الإدارة أودى بها كما يودي السوس بالشجر النضير. (1) الجيش العثماني وقت إعلان الحرب
كان أركان حرب الجيش العثماني يجهلون من سرائر الجيش البلغاري وسائر جيوش البلقانيين بقدر ما كان يعرف أركان حرب الجيش البلغاري من شئون العثمانيين، وجل ما كان يعتقده كبار القواد في الأستانة لا يخرج عما ذاع وشاع من أن الجيش البلغاري منظم والجيش الصربي والجيش اليوناني سارا خطوات كبيرة في سبيل التنظيم، لكنهم لم يكونوا يحسبون حساب التحالف البلقاني ولم يتأهبوا له بوضع خطة حربية عامة، بل كانوا ينظرون إلى الجيش البلغاري على حدة، وما فكروا في الخطة الحربية العامة إلا بعد أن ثبت لهم خبر التحالف بين البلغار والصرب، وإذا كانت الجيوش العثمانية موزعة من قبل في أنحاء البلقان فليس توزيعها دليلا كافيا على أن الحكومة العثمانية كانت تتوقع منذ مدة مديدة تحالفا قويا عليها.
1
ولما وضعت نظارة الحربية العثمانية نظاما جديدا للجيش العثماني سنة 1909 على أثر إعلان الدستور، ظهر من حسبانها وما نشر من بيانها أن الدولة العثمانية سيكون لها قوة حربية لا تخاف معها دول البلقان ولا تكترث لعدوانها، فإن هذا النظام قضى بتقسيم الجيش العثماني إلى أربعة أقسام أو جيوش منها: جيشان للولايات العثمانية الأوروبية، والاثنان الباقيان لسائر أنحاء السلطنة. وجيشا الولايات الأوروبية يمكنهما أن يتلقيا قوة للإبدال أو الإنجاد من جهات آسيا الصغرى، ومحل الجيش الأول منهما خط يمتد من أدرنه حتى الأستانة، وهو مؤلف من الفيلق الأول: المعروف بفيلق الأستانة، والفيلق الثاني: المعروف بفيلق تكفور طاغي (رودستو) والفيلق الثالث: المعين لقرق كليسا وما جاورها ، والفيلق الرابع : لأدرن وحصونها، وقوة هذا الجيش تبلغ حسب النظام الجديد 220000 جندي من المشاة و6000 فارس و454 مدفعا.
أما الجيش الثاني الذي خصص للولايات المعروفة باسم مقدونيا؛ فقد كان أقوى منه بحسب ذاك النظام؛ لأن مجموعه يبلغ 340000 رجل و500 مدفع، وكان من المأمول أن الجيشين المذكورين يمكنهما أن يقويا في وقت الحرب بفضل النجدات التي كان يرجى إرسالها من آسيا الصغرى. •••
صفحه نامشخص