تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
ژانرها
لم يكن يبغي من فتح هذه البلاد تأمين كيان مصر فحسب، بل أراد أن يجمع بين فلسطين وسورية ولبنان ومصر في وحدة شاملة، ففي فتوحه الآسيوية لم يرهق الأهلين ولا كان يحاربهم، بل كانت حروبه ضد حلف يتزعمه أمير قادش من بقايا ملوك الهكسوس (الرعاة)، ولم يكن أمير قادش من أهل هذه البلاد ولا من المواطنين فيها، بل كان من غزاتها وسليل غزاتها السابقين.
ومن المحقق أن الهيبة التي كانت لتحوتمس في النفوس والتي نتجت عن انتصاراته في ميادين القتال، والقوة الحربية التي اعتمد عليها في بسط سيطرته على تلك الأصقاع، كانت هي الدعامة الأولى للدولة المترامية الأطراف التي أنشأها في آسيا، ولولا تلك القوة لما استطاع أن يوطد سلطانه فيها. (7) وفاة تحوتمس الثالث
توفي تحوتمس الثالث سنة 1436ق.م؛ بعد أن جلس على عرش مصر أربعة وخمسين عاما، كانت أوج المجد لمصر القديمة.
يقول برستد في وصفه وتمجيده: «إن صفات تحوتمس الثالث وشخصيته برزت في التاريخ المصري القديم بدرجة منقطعة النظير، في ملوك مصر قاطبة، والحق يقال: إن نشاطه فاق كل نشاط سواء أكان قبله أم بعده، زد على ذلك أنه كان هاويا فنانا يتلهى وقت فراغه بصياغة الأواني وإبداع أشكالها، وكان حسن التدريب في السياسة حاد الذاكرة، يقوم بالحروب الكبيرة في آسيا مستعملا في الوقت نفسه شدته في منع انتشار الرشوة والحيف في أثناء جمع الضرائب من الأهلين؛ لذلك اعتبر عهد تحوتمس الثالث عهدا ممتازا في مصر والشرق عامة، ولم يظهر في التاريخ إلى ذلك العهد ملك جمع إيراد مملكته الشاسعة، وأقام عليه إدارة حكومية مركزية ثابتة مستمرة دامت سنوات عدة كما فعل، وهو يذكرنا بتاريخ الإسكندر المقدوني ونابليون لتشابه تاريخهم جميعا، وخلاصة القول أن تحوتمس كان أول رجل في التاريخ أسس إمبراطورية حقيقية، فهو لذلك أقدم بطل معروف على الأرض، ولا غرابة فقد خضعت لقوته آسيا الصغرى وأعالي الفرات، وجزر البحر الأبيض المتوسط، ومستنقعات بابل وشواطئ ليبيا السحيقة وواحات الصحراء، وهضاب الصومال، وشلالات النيل العليا، يضاف إلى ذلك أن أمراء تلك الجهات تسابقوا في تأدية جزيتهم وهداياهم إليه، ويعتبر هذا برهانا ساطعا وتذكارا عظيما للعالم على نجاح نظمه وترتيباته الحديثة، وقد تجلت شخصية هذا الملك العظيم وشدة توقيعه للقصاص العادل في مشاحنات أمراء سورية، فطهر جو الشرق السياسي من المفاسد، ومن أجمل مآثر هذا الملك مسلتاه الأثريتان العظيمتان المنصوبتان على شاطئ المحيط الأطلسي.
9
وقد اعتبرت هاتان المسلتان في بلادنا نحن الغربيين تذكارا عظيما لأول بناء للإمبراطوريات في تاريخ العالم.»
10
وقال في وصف نتائج الروابط بين مصر والأقاليم الآسيوية: «يمتاز هذا العهد بكثرة رخائه وتقدم مدنيته، فقد زالت العوائق التي أوجدها الهكسوس بين مصر وآسيا، ومحا تحوتمس الثالث بحروبه أثرها من الوجود، فتيسر التعامل بين إفريقية وآسيا، وزالت الفوارق القديمة فلم يبق هناك ممالك صغيرة، بل أصبحت البلاد كلها الممتدة من منابع الفرات إلى أعالي النيل متحدة على تباين عناصرها ولغاتها، وأخذت تجارة شرقي البحر الأبيض المتوسط تتحول تدريجيا من إقليم الفرات وبابل إلى مصر، وبالأخص إقليم الدلتا الذي كثرت خيراته وتضاعفت روابطه التجارية، وكان هذا الإقليم الأخير منذ عدة قرون على اتصال بالبلاد الآسيوية بالقناة التي توصل البحر الأحمر بالنيل، فانحصرت تجارة العالم في الدلتا، وصارت أكبر أسواق العالم، وكانت آشور في هذا الوقت فتية، وانعدم من بابل نفوذها السياسي تماما في البلاد الغربية، فأصبحت سلطة فرعون على إمبراطوريته الشاسعة عظيمة مهيبة.»
11 (8) خلفاء تحوتمس الثالث (8-1) أمنحوتب الثاني
12
صفحه نامشخص