تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
ژانرها
فإن جميع المؤرخين الأوربيين ذكروا غارات العرب على فرنسة بعد استيلائهم على إسبانية، وأجمعوا على أن شارل مارتل الذي يسميه العرب: «قارله» هو الذي أنقذ أوربة في وقعة «پواتييه» الشهيرة من الوقوع تحت سلطة العرب، وأنه لولا انهزام العرب في تلك المعركة لكانوا استولوا على أوربة كلها، وربما كانت بأجمعها قد دخلت في الإسلام، ولا نقدر أن نحصي ما جاء في كتب الأوربيين من فرنسيس وألمان وإنكليز وإسبانيول وطليان في هذا الموضوع، ولا نجد لزوما لهذا الاستقصاء بعد أن قرروه في الجملة، وأجمع عليه مؤرخوهم وأيدت ذلك تواريخنا العربية، وإنما كان غرضنا في هذا الكتاب استقصاء جزئيات هذه الغارات العربية إلى قلب أوربة، والإحاطة بما يتسنى لنا من تفاصيلها، ولم نجد في هذا الباب كتابا أوعى من كتاب المسيو رينو المذكور؛ لأنه وضع خاصا بتاريخ هذه الغارات، ولأن واضعه هو من أشهر المحققين في المسائل التاريخية والمطلعين حق الاطلاع على اللغة العربية بحيث يمكنه عند كل رواية أن يقابل ما جاء عنها في الكتب اللاتينية القديمة بما جاء في الكتب العربية، وإنك لتجده لا يروي رواية ولا خبرا إلا ذكر في الحاشية مأخذ تلك الرواية، أو ذلك الخبر مع تعيين المؤلف والمؤلف والجزء والصفحة، وأحيانا خزانة الكتب التي فيها ذلك المؤلف، وقد يورد النصوص بعينها لا سيما إذا كانت من التواريخ التي وضعت في عصر تلك الفتوحات، وكما أنه يستعمل هذه الدقة في الاستشهاد من كتب الإفرنجة فإنه يستعمل الدقة نفسها في الاستشهاد من كتب العرب، ومن أجل ذلك كان أكثر اعتمادنا في تاريخ هذه الوقائع على المستشرق المشار إليه، كما أننا اعتمدنا في تاريخ استيلاء العرب على قسم من شمالي إيطالية ومن أهالي سويسرة عليه أيضا، وعلى مؤلف آخر من أهالي سويسرة الألمانية اسمه «فرديناند كيللر»
3
سنأتي بتلخيص تأليفه بعد الانتهاء من تلخيص كتاب المسيو رينو، وسنقابل جميع رواياتهم بما لدينا من التواريخ العربية الشهيرة.
قال المسيو رينو في مقدمة كتابه:
جاء وقت كانت فيه فرنسة عرضة لغارات شعب أجنبي كان قد استولى على إسبانية وبلدان أخرى مجاورة لها، وجاء بدين جديد ولسان جديد وأوضاع جديدة، فأصبحت المسألة مسألة هل فرنسة وسائر ممالك أوربة التي لما تخضع لهذا الشعب الجديد تقدر أن تحتفظ بأعز ما يحتفظ به الإنسان من دين ووطن وأوضاع أم لا؟
وكان الناس يتساءلون عن كنه هذه الوقائع التي ترتب عليها احتلال ذلك الشعب لقسم من بلادنا ومن آية جهة وقعت، وأية أحوال أحاطت بها، وهل كان المغيرون كلهم من العرب، أم كانوا من أمم شتى؟ وما كانت نتائج هذه الغارات المتكررة كثيرا؟ وهل بقي في البلاد منها آثار أم لا؟
ولقد جرى البحث أكثر من مرة عن هذه القضية، ولكن لم يعن أحد فيما يظهر لنا بأن يضع لهذا الموضوع تأليفا خاصا يحيط بجميع الوقائع التي نحن بصددها ويستنبط منها نتائج عامة
4
ولا شك في أن تأليفا وافيا بهذا الغرض ينبغي له الجمع بين الروايات الأوربية المسيحية والروايات العربية الإسلامية ليعرف قول الغالب وقول المغلوب معا.
ومن مدة طويلة كان الناس في أوربة قد لحظوا أن روايات مؤرخي أوربة المسيحية عن هذه الوقائع لم تكن كافية، وأن الزمن الذي قد حصلت فيه هذه الحوادث، وأغار فيه العرب على فرنسة هو أشد الأزمنة على هذه البلاد وأحلكها سوادا، ففي سنة 712 عندما بدأت هذه الحملات على فرنسة كانت هذه البلاد مقسمة بين إفرنج الشمال الذين كانوا يملكون «نوستريا»
صفحه نامشخص