تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
ژانرها
122
ثم أشرفوا على دير «موناستييه» فجمع القديس «شافر»
123
رئيس الدير رهبانه، وأمرهم بأن ينسحبوا إلى الحراج المجاورة، ويأخذوا معهم الأعلاق النفيسة والذخائر التي في الدير ويتواروا في البرية، إلى أن يتأذن الله بالفرج وبأوقات أحسن فيعودوا فيها إلى متبوئهم الأول، أما هو، أي: القديس المذكور فقد أجمع أن يبقى في الدير مهما كان البرابرة يريدون أن يفعلوا به، فإن أمكنه أن يردهم إلى الصراط المستقيم فذاك، وإلا فإن قتلوه فيكون تردى بالأحمر من أثواب الشهادة، فأخذ الرهبان يبكون ويستغيثون راجين منه أن يذهب معهم إلى البرية ويطلب النجاة كما يطلبون أو أن يتركهم يموتون معه، فأصر القديس على كلامه، وقال لهم: إن اتقاء الخطر ضروري لا سيما إذا كان في السلامة فائدة للكنيسة، وضرب لهم مثلا مسألة الرسول بولس الذي كان اليهود أعداؤه يقتصون أثره في دمشق للاقتصاص منه، ففر منهم ونزل ليلا في زنبيل تدلى به من عن سور المدينة وخلص نجيا، وكذلك بطرس رئيس الحواريين كان قد أجمع الفرار من وجه نيرون لو لم يكن سبق في إرادة الله توقيف خطواته، ثم قال لهم القديس: أما أنا فإني لست بذاهب من هذا الدير، فإن من واجبات الراعي أحيانا أن يضحي بنفسه في سبيل خلاص رعيته، وإني إن سال دمي هذه المرة فربما يسكن بانفجاره الغضب الإلهي الثائر بدون شك من خطايا البشر.
فلما رأى الرهابين تصميم القديس هذا لم تسعهم إلا طاعته، وبعد أن سمعوا القداس وأخذوا معهم النفائس التي في الدير خرجوا إلى البرية، وتغلغلوا في الغابات، ولكن انسل منهم اثنان فصعدوا فوق رابية مشرفة على الدير ليشهدوا ما عساه أن يقع فيه، ولم يلبث العرب أن حضروا فوجدوا القديس «شافر» عاكفا على الصلاة في زاوية من الدير، فلم يأبهوا له، وإنما أخذوا يطوفون في الدير أملا بالعثور على شيء يغنمونه، وكان مرادهم أن يثقفوا الرهبان وأن يأخذوا منهم أحدثهم سنا وأقواهم بنية ليبيعوهم في سوق النخاسين بالأندلس، فلما علموا أن الرهبان قد فروا بأسرهم وأنه لم يبق في الدير شيء من النفائس التي كانت تحدثهم أنفسهم بها استشاطوا غضبا وانهالوا على القديس بضرب مبرح.
وكان في ذلك اليوم عند البرابرة عيد يقدمون فيه ضحية لله، ولم يقل المؤرخ الذي ننقل عنه هذه القصة ما شكل تلك الضحية؟ ولكنه يقول: إنهم كانوا في ذلك العيد يشربون الخمر ويطنزون، مما يدل على أن العصابة التي أغارت على كورة «فيلاي» لم تكن عصابة مسلمة، ولكن عصابة بربرية لا يزال أهلها غائصين في لجج الوثنية، فلما رآهم القديس قد انتبذوا مكانا للقيام بشعائر عيدهم جاء إليهم ونصح لهم بأنهم بدلا من عبادة الشياطين يكون أولى بهم أن يعبدوا خالق الأكوان الذي لولاه لم يكن شيء في هذه الدنيا، فلم يكن هذا الكلام ليقع منهم موقع القبول بل زادهم سخطا، وجاء أحدهم فرماه بحجر فسقط على الأرض مغشيا عليه، ثم أراد البرابرة أن يحرقوا الدير ويدكوه إلى الحضيض، ولكن يقول المؤرخ: إنهم بينما هم يهمون بأن يفعلوا سلط الله عليهم ريحا صرصرا عاتية وصواعق محرقة فأركنوا إلى الفرار، وتركوا الدير، ثم مات القديس بعد أيام قلائل من أثر الضرب، بعد أن عاد الرهبان إلى ديرهم، ولا تزال الكنيسة تحتفل بعيد القديس «شافر» في 19 أكتوبر من كل سنة، وأما الدير المذكور فقد بقي قائما إلى زمان الثورة الفرنسية الكبرى.
ونظن أنه في ذلك العهد كانت قد وقعت غارة العرب على مقاطعة «دوفيني»
124
وعلى مدينة «ليون»
125
صفحه نامشخص