تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
ژانرها
والدون «بوكه».
18
ولقد اتبعنا في عملنا هذا الطريقة الآتية، وهي أن نمحص عن الوقائع شهادات المعاصرين أو الذين كانوا في العهد أقرب من غيرهم إليها، ومهما قيل عن النقصان الذي في روايات المؤرخين المسيحيين الذين كانوا في ذلك العهد، فإننا قد وجدنا فيها ما يستحق كثيرا من الاعتبار بحيث إذا تطابقت مع روايات العرب جزمنا بأن الحقيقة هي هناك، وأما إن لم تطابق روايات هؤلاء روايات أولئك، فإننا ننقل حينئذ ما قاله كل من الفريقين ونبدي رأينا في ترجيح الأقرب إلى العقل، وأما المنابع التي لم نقدر أن نصل إليها فقد نبهنا عليها وأشرنا إلى أماكنها، وذلك كبعض وقائع رواها كوندي نقلا عن كتب العرب فقد كان الأحسن أن ننقل تلك النصوص بعينها، ولكننا لم نظفر بها.
وفي آخر كتابنا هذا نذكر الشعوب التي انضمت إلى العرب، وأوشكت بالاتحاد مع العرب أن تخضع أوربة كلها لشريعة القرآن، فنحن نطلق على الجميع اسم «سارازين» وهي لفظة لم يجزم إلى الآن في وجه اشتقاقها، أو لفظ «المور» أي المغاربة؛ وذلك لأن العرب جاءوا أولا إلى المغرب، ومنه دخلوا إلى إسبانية فسموا من أجل هذا مغاربة، وليعلم أنه في أثناء ما كان المسلمون يكتسحون أراضي فرنسة ويجتاحون شمالي إيطالية وبلاد سويسرة كانت منهم عصائب حاكمة في صقلية وجنوبي إيطالية، ولم يكن لغارات هؤلاء صلة بغارات أولئك، ولكن كان لها تأثير بعضها في بعض مما لم تفتنا الإشارة إليه.
ثم إنه في جميع البلاد التي احتلها العرب طويلا أو قصيرا كانت بقيت لهم آثار وسرت عنهم أخبار، فهنا كنت ترى قلعة كانوا يعتصمون بها عندما يجتاحون تلك الأرض، وهناك كانت مخاضة نهر أو قنطرة كانوا يأخذون عندها رسما على المارين، وهنالك كهف في واد كانوا يضعون فيه الغنائم، وعلى تلك الجبال أبراج متناوحة كانوا يتبادلون منها الإشارات النارية لأجل توحيد حركاتهم، وهلم جرا، فالآثار والأخبار التي لا ترتكز على دليل وثيق من ذلك العصر نفسه لم نتعرض لها.
ومثل ذلك فعلنا بالقصص التي قصها الرواة الذين لم يعاصروا تلك الحوادث، والتى هي أقرب إلى أن تكون من عمل خيالات القصاص المولعين بأخبار الحماسة والمغرمين بأحاديث المجد والرئاسة، ففي القصص التي ترويها الرواة عندنا أغلاط كثيرة؛ منها ما وقع فيه بعض مؤرخي ذلك الوقت مثل تلقيبهم المسلمين «السارازين» بلفظة «بايين»
أي: وثنيين، وذلك أن المسيحيين كان من عادتهم أن يسموا جميع الأمم السالفة للنصرانية «وثنيين» وجميع الأمم التي حاربها الإفرنسيس وثنيين، ومن جملة هؤلاء حسبوا المسلمين! ولهذا فقد عزوا إلى هؤلاء آثارا ومباني وهياكل كانت في الحقيقة هي من عمل غيرهم، وليسوا منها في قبيل ولا دبير.
وكذلك لما كانت شهرة شارلمان قد غلبت شهرة الجميع فإن القصاص نسبوا إلى أيامه حوادث وقعت من قبله، وحوادث أخرى وقعت من بعده، فالوقائع التي جرت في زمان شارل مارتل جعلوها في زمان شارلمان، وما زالوا ينسبون إلى أيام شارلمان غزوات جميع الإفرنج في بلاد المسلمين إلى القرن العاشر بل إلى آخر القرن الحادي عشر أي الزمن الذي استصرخ فيه مسلمو الأندلس يوسف بن تاشفين ملك المرابطين، فتأمل.
ومن هذا النمط تعمد بعض القصاص والزجالين أن ينحلوا أجداد ممدوحيهم فضل تحرير البلاد وطرد الأعداء، وذلك مثل قصيدة غيليوم ذي الأنف الأصلم الذي ينسب إليه الشاعر إجلاء العرب عن تولوز ونيم وأورانج وغيرها من مدن فرنسة.
ثم إنه كان المجار قد جاءوا من شرقي أوربة وعاثوا في نواحي فرنسة، فاختلط على الناس ما عاثه المجار بما عاثه العرب، بحيث كثيرا ما كان أولئك القصاص يسمون المجار «سارازين» ويسمون الفاندال «سارازين»، وممن قال بذلك الأب «لوكوانت»
صفحه نامشخص