ونقل الفارابي تعليل أرسطو في إثبات التحول:
إن الفلزات واحدة بالنوع، والاختلاف الذي بينها ليس في ماهيتها، وإنما هو في أعراضها ، فبعضه في أعراضها الذاتية، وبعضه في أعراضها العرضية، وكل شيئين من نوع واحد اختلفا بعرض، فإنه يمكن انتقال كل واحد منهما إلى الآخر، فإن كان العرض ذاتيا عسر الانتقال، وإن كان مفارقا سهل الانتقال، والعسر في هذه الصناعة إنما هو لاختلاف أكثر هذه الجواهر في أعراضها الذاتية، ويشبه أن يكون الاختلاف الذي بين الذهب والفضة يسيرا جدا.
وقال الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم الأنصاري:
إذا أراد المدبر أن يصنع ذهبا نظير ما صنعته الطبيعة من الزئبق والكبريت الطاهرين، فيحتاج إلى أربعة أشياء؛ كمية كل واحد من ذينك الجزأين، وكيفية ومقدار الحرارة الفاعلة للطبخ، وزمانه، وكل واحد منها عسر التحصيل، وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا، ويلقيه على الفضة ليمتزج بها ويستقر خالدا فيها ويكسوها لون الذهب ورزانته - المقصود بها الثقل النوعي في الاستعمال الحديث - فاستخراج ذلك بالتجربة يحتاج إلى استقراء حال جميع المعدنيات وخواصها، وإن استخرج بالقياس فمقدماته مجهولة، ولا خفاء في عسر ذلك ومشقته.
ومما يلاحظ هنا أن أقوال المثبتين والمنكرين كلها نظرية مبنية على الأقيسة المنطقية، ولا شأن لها بالعمليات.
ومما لا شك فيه أن العرب أخذوا مبادئ الكيمياء عن اليونان، فإن منهم فلاسفة بحثوا في الأصول العنصرية منهم هيرقليطس الإفسوسي، الذي قال بأن النار أصل العناصر، وإمبيذقليس الذي قضى بأن العناصر أربعة: الماء والهواء والنار والتراب، وقد تدعى بالاستقصات الأربعة، وديموقريطس الذي قال بتكون العالم من حركات الجواهر الفردة المكونة للهيولى، وإنا كساغوراس الذي اتبع طريقة قياس التمثيل في حل معضلات الطبيعة الكونية، وأرسطوطاليس الذي قضى بأن الأثير يجب أن يضاف إلى العناصر الأربعة، وأنه عنصر العناصر.
ولما انتقلت علوم اليونان إلى مصر من طريق مدرسة الإسكندرية توسع الكهنة الذين كانوا يدرسون العلوم في الاشتغال بعلم الكيمياء، وزعموا أنهم حولوا المعادن إلى ذهب في أول عصور المسيحية فاضلوا كثيرا من محبي الاستطلاع والطامعين في الغنى العاجل، حتى اضطر الإمبراطوران ساويرس وديوقلتيانوس أن يأمرا بإعدام كل كتب الكيمياء، ولكن نجت منها طائفة وصلت إلى أيدي العرب فكانت عمدتهم في هذا الموضوع، ومنها اقتبسوا الألفاظ اليونانية المستعملة عندهم في الكيمياء. •••
في خلال القرون الوسطى ترجمت عدة مقالات عن «جابر بن حيان» إلى اللاتينية، ويدعونه «جيبر»
Geber ، وكان له أثر كبير في تكوين مدرسة كيماوية ذات أثر في بلاد الغرب، وبعد قليل كثر العارفون بتلك الصناعة فكتبوا مقالات كثيرة في اللاتينية نسب أغلبها إلى جابر، غير أنها ظاهرة الانتحال.
على أن الروايات عن جابر كثيرة، والقصص من حوله عديدة وجوهه، غير أن مسيو برتيلو يعتقد بأن كل الظواهر التاريخية تدل على أن جابرا كان ذا آصرة قريبة، ونسب أدنى إلى حران في أوائل القرن الثاني من التاريخ الهجري.
صفحه نامشخص