صاحب الرأي الخاطئ يعتقده صوابًا، فمن يضمن لنا أننا لسنا على خطأ حين نعتقد أننا على صواب؟ ولو كان للعقل ما يزعم له من حكم صائب لما اختلفت العقول. ولا سبيل إلى علامة لتمييز الحق من الباطل "لكي نحكم على الظواهر الواردة من الأشياء، يلزمنا أداة للحكم، ولكي نتحقق من هذه الأداة، يلزمنا برهان؛ ولكي نتحقق من هذا البرهان، يلزمنا أداة؛ ويدور الدولاب". بل نحن لا نستطيع أن نثبت أن قضية ما أرجح من أخرى؛ فإن مثل هذا الإثبات يستلزم أولًا معرفة الحق الذي يقترب منه الرجحان.
هـ- ولما كانت القوانين من صنع الناس، فقد جاءت ناقصة متباينة بتباين البلدان، مختلفة في البلد الواحد باختلاف الأزمان. يقول البعض: إن الضمير يعلن إلينا "قوانين غير مكتوبة" أزلية ثابتة. كلا، فإن الضمير وليد البيئة والعادة لا وليد الطبيعة؛ لذا نراه يختلف باختلاف البلدان والأزمان. فالملحدون الذين يتمردون على الله، والبروتستانت الذين ينازعون الكنيسة سلطاتها، والثائرون الذين يريدون إبدال النظام القائم بنظام أصلح في رأيهم، كل أولئك يصدرون عن الكبرياء والغرور. إن الحكمة تقضي بأن نحكم على الأشياء، لا بحقيقتها وليس لنا إلى الحقيقة من سبيل، بل بفائدتها للحياة، وفي هذا نجد اتفاقًا عامًّا بين الجماعات الإنسانية. فلنستمسك بالعادات والتقاليد. فمونتني يجدد حجج قدماء الشكاك بأسلوبه الحي الملون، ولا يزيد عليها شيئًا؛ ويصل إلى عين النتيجة التي وقفوا عندها، وهي الاستسلام للطبيعة والعادة كأن ليست لنا عقول. ولكنه كان عاملًا قويًّا في إذاعة الشك، وقد أثر تأثيرًا كبيرًا في ديكارت وبسكال.
1 / 30