تاریخ فلاسفه اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
ژانرها
كان الفلاسفة في الأزمنة السالفة لا يستطيعون الحياة والظهور إلا إذا عاشوا في ظلال الأمراء والملوك؛ لأن الفلسفة لا تطعم خادمها ولا تكسوه ولا تجري عليه رزقا ، وإن كان هو ينفق في خدمتها عمره وماله ويفقد في سبيلها حياته وولده وحريته، فلم يكن لمحب الحكمة بد من أن يلتمس العيش في أكناف أحد الملوك يؤلف الكتب ويهديها إليه ويحليها باسمه.
ثم إن الفلاسفة كانوا ولا يزالون موضع ارتياب العامة، وحسد الخاصة، فالعامة ينظرون إليهم بعين الشدة ويسيئون بهم الظنون، ويتقولون عليهم، وينسبون إليهم أمورا إن صدق بعضها فمعظمها مختلق أو مبالغ فيه، أما الخاصة ممن لم يبلغوا شأوهم، فإما يغارون منهم وإما يحسدونهم على نعمة الحكمة التي هي نقمة على الفلاسفة أنفسهم، لأجل هذا كانت حاجة الفيلسوف إلى أمير يلجأ إليه كحاجة الغرباء في بلاد الشرق إلى الاحتماء بسفراء الدول الأجنبية.
ولا عجب فإن الفيلسوف غريب في وطنه أجنبي بين قربائه وأهله، على أن الالتجاء إلى الأمراء والاحتماء بهم لم يكن منقذا في كال حال، فقديما كانت علاقة الفلاسفة بالأمراء سبب نكبتهم ومصدر بلواهم وشقوتهم، وما هذا إلا لتقلب الأمراء في الود وسهولة انقيادهم للقوي من الزعماء أو اضطرارهم لمجاراة تيار الفكر الشائع، وطاعتهم صوت الخلق وقول الجماعة، حتى ولو كان هذا وذاك على خلاف ما يرغبون وعكس ما يضمرون، وهذا الذي وقع لابن رشد في محنته الأليمة.
أما أحوال هذا الزمن فقد تغيرت وتبدلت وأصبح الفيلسوف في الغرب قادرا على العيش في كنف الحكمة دون الالتجاء إلى نفوذ الملوك وظلال الأمراء، بل أصبح الفيلسوف بقوة عبقريته أميرا على العقول، يخضع له الناس في مشارق الأرض ومغاربها بفضل ما وصلت إليه الإنسانية من الحرية المحدودة، وأصبح صوت الفيلسوف إذا أرسله يهز عروض القياصرة ويزعزع من قوائمها، وليس العهد بعيدا بآثار ليو تولستوي في نهضة شعب روسيا، فطالما كتب أسطرا في صحيفة سيارة هلعت لها قلوب الذين استعبدوا الأمم واستباحوا ظلمها، واستندوا في استبقاء سلطتهم إلى الجهال والمشعوذين وأرباب المطامع النازلة والمقاصد الوضيعة، وهاهم قد دالت دولتهم ومحي من الوجود ذكرهم ودولة العقل والفكر باقية.
كذلك من يذكر اسم أوجست كومت وهربرت سبنسر وشوبنهور، يذكر أعلاما مضيئة استنارت بها الإنسانية، والتفت حولها الأمم مستنجدة بها في دياجي الحيرة.
حقا إن اضطهاد الفيلسوف وتعذيبه في سبيل فكره والتنكيل به لشذوذه واعتزاله، تلك أمور لا تزال مشاهدة في بعض الأوساط والأماكن لعهدنا هذا.
ولكن أين الشرارة الصغيرة من النار العظيمة المتأججة وأين اللوم والتقريع في جريدة أو مجلة من الحكم بالإعدام شنقا أو إحراقا فضلا عن النفي والتعذيب، كذلك لا ننسى أن الإنسانية لا تزال في أدوارها الأولى على الرغم من التبجح ببلوغها سن الرشد. (2) تاريخ ابن رشد وفلسفته
اسمه وكنيته:
محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، ويكنى أبا الوليد، وهي كنية انتحلها أجداده من قبله فلزمته.
مولده:
صفحه نامشخص