تاریخ فلاسفه اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
ژانرها
تكلم إخوان الصفا في الرسالة الرابعة من الرياضيات في علم الموسيقى وأثره في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق، وقد صرحوا بأن ليس غرضهم في هذه الرسالة تعليم الغناء وصنعة الملاهي، بل غرضهم معرفة النسب وكيفية التأليف اللذين بهما وبمعرفتهما يكون الحذق في الصنائع كلها، وإن من الأصوات والألحان والنغمات ما له في النفوس تأثيرات كتأثيرات صناعات الصناع في الهيوليات الموضوعات في صناعاتهم، فمن تلك النغمات والأصوات ما يحرك النفوس نحو الأعمال الشاقة وينشطها ويقوى عزماتها؛ وهي الألحان المشجعة التي تستعمل في الحروب، ولا سيما إذا غني معها بأبيات موزونة، ومن الأبيات الموزونة أيضا ما يثير الأحقاد الكامنة ويحرك النفوس الساكنة، فمن أجل هذا كانت الألحان والموسيقى تستعمل عند كل الأمم في الحزن والسرور، وتارة في بيوت العبادة والأسواق وعند الراحة والتعب، ويستعملها الرجال والنساء والعلماء، ويستعملها الجمالون للحداء في الأسفار، والصياد عند صيد الدراج والقطا.
وإن الأصوات نوعان: حيوانية، وغير حيوانية. كصوت الحجر والحديد والرعد والطبل والمزامير، والأصوات الحادة والغليظة متضادة ولكن إذا كانت على نسبة تأليفية ائتلفت وامتزجت وصارت لحنا موزونا واستلذتها المسامع، وإن الحكماء قد صنعوا آلات وأدوات كثيرة لنغمات الموسيقى، واعلم بأنه إن لم يكن لحركات أشخاص الأفلاك أصوات ولا نغمات لم يكن لأهلها فائدة في القوة السامعة، ويوجد في طباع الصبيان اشتياق إلى أحوال الآباء والأمهات، وفي طباع التلامذة والمتعلمين اشتياق إلى أحوال الأساتذة والمعلمين، وفي طباع العامة اشتياق إلى أحوال البلوغ، وفي طباع العقلاء اشتياق إلى أحوال الملائكة وتشبه بهم، كما ذكر في حد الفلسفة إنها التشبه بالإله بحسب طاقة الإنسانية، ويقال إن فيثاغورس الحكيم سمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات حركات الأفلاك والكواكب فاستخرج بجودة فكره أصول الموسيقى ونغمات الألحان.
ثم اعلم أن غرض الأنبياء في وضعهم الشرائع هو صلاح الدين والدنيا، وغرضهم الأقصى نجاة النفوس من محن الدنيا وشقاوة أهلها.
واعلم بأن تأثيرات نغمات الموسيقار في نفوس المستمعين مختلفة الأنواع، ولذة النفوس منها وسرورها بها تكون بحسب مراتبها في المعارف وبحسب معشوقاتها المألوفة من المحاسن.
واعلم أن أخلاق الناس وطبائعهم تختلف من أربع جهات:
الأولى:
من جهة أخلاط أجسادهم ومزاج أخلاطها.
الثانية:
من جهة ترب بلدانهم واختلاف أهويتها.
الثالثة:
صفحه نامشخص